Contact Us
سياحة وسفر

إستثمارات تفوق 100 مليون دولار لإحياء تراث فاس وتعزيز السياحة المغربية

a_high-resolution_photo_of_the_old_city_of_fez_morocco__showing_traditional_tanneries_with_colorful_5rwxdwz4tk5ijtxk3oat_5

تُعدّ مدينة فاس المغربية من أبرز المدن التاريخية التي نجحت في تحويل تراثها الغني إلى مصدرٍ إقتصادي حيوي، يُسهم في تنمية السياحة الوطنية وتوفير فرص العمل.

فهي ليست مجرد وجهة ثقافية وسياحية، بل نموذج لإقتصاد التراث، حيث تمتزج الأصالة بالحرفية، والعراقة بالتنمية.

تأسست فاس على يد إدريس الثاني في القرن التاسع الميلادي، لتكون مركزًا للعلم والتجارة والصناعة، واليوم تُعدّ من أهم المدن المغربية المدرجة على قائمة التراث العالمي لليونسكو.

فاس... استثمار في التاريخ والمعرفة

تُعتبر فاس من المدن الأكثر جذبًا للسياح في المغرب، إذ تستقبل سنويًا مئات الآلاف من الزوار القادمين من أوروبا وآسيا والعالم العربي، مما يجعلها رافدًا مهمًا للإقتصاد الوطني.

تُشكّل السياحة الثقافية والعلمية نحو 10% من إجمالي النشاط السياحي المغربي، وتلعب فاس دورًا محوريًا في هذا القطاع بفضل معالمها التاريخية مثل جامعة القرويين، أقدم جامعة في العالم، والمدارس المرينية والمساجد القديمة التي تحوّلت إلى نقاط جذب رئيسية. هذا الحضور السياحي يعزّز الحركة التجارية والخدماتية، خاصة في قطاعات الإيواء والمطاعم والحرف اليدوية.

تُشكّل الحرف التقليدية الفاسية عمودًا فقريًا في الإقتصاد المحلي، إذ تُوفّر آلاف فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، وتُسهم بنسبة معتبرة من دخل المدينة. منا يعمل في فاس أكثر من 20 ألف حرفي موزّعين على قطاعات الجلد، الزليج، النحاسيات، النسيج، والخشب المنقوش.

وتُعدّ دباغة الشوّارة، أحد أبرز معالم المدينة، مركزًا إقتصاديًا حيويًا يُصدر منتجاته إلى أوروبا والخليج، ما يجعلها مثالًا على التكامل بين الحرفة التقليدية والإقتصاد العصري.

تُمثّل الصناعات التقليدية في فاس نحو 15% من الناتج المحلي للصناعات التقليدية في المغرب. كما تُساهم الصادرات الحرفية المغربية بما يقارب 800 مليون دولار سنويًا، وتحظى فاس بنصيبٍ وافر منها. وتُشكّل السياحة والحرف مجتمعتين أكثر من 25% من الناتج المحلي الإجمالي لمدينة فاس.

الأسواق القديمة... محرك التجارة والسياحة

المدينة القديمة في فاس ليست مجرد موقع أثري، بل نظام إقتصادي نابض يعمل على مدار اليوم. فأسواقها التي تتجاوز 9,000 زقاق تُوفّر شبكة توزيع طبيعية تربط المنتج بالمستهلك المحلي والسائح في آن واحد. من سوق العطارين إلى سوق الصفارين، يتجلّى التكامل بين التجارة الصغيرة والسياحة الثقافية، حيث تُباع المنتجات التقليدية مباشرة للسياح، مما يُعزز الإقتصاد الدائري المحلي ويُبقي الأرباح داخل المدينة بدل إنتقالها إلى الشركات الكبرى.

تسعى الحكومة المغربية إلى جعل فاس نموذجًا للسياحة المستدامة، عبر مشاريع ترميم المدينة القديمة وتحسين البنية التحتية دون المساس بروح المكان.

فقد استثمرت الدولة، بالشراكة مع اليونسكو والبنك الدولي، أكثر من 100 مليون دولار في مشاريع ترميم المباني التاريخية، وتطوير المرافق السياحية، ودعم الحرفيين الصغار من خلال برامج التمويل المصغّر والتدريب المهني. هذه الخطوات جعلت من فاس مركزًا متجدّدًا يجمع بين التراث والإبتكار الإقتصادي.

ويُعتبر مهرجان فاس للموسيقى الروحية العالمية أحد أهم الأحداث الثقافية السنوية في المغرب. رغم طابعه الفني، إلا أنه حدث إقتصادي من الطراز الأول، إذ يُدرّ ملايين الدولارات سنويًا عبر الإقامات الفندقية والمطاعم والنقل والترويج الإعلامي، إلى جانب تعزيز صورة المغرب كوجهة سياحية ثقافية راقية.

إن فاس ليست فقط مدينة التاريخ والعلم، بل نموذج لإقتصادٍ ثقافي متكامل، يقوم على الحرف اليدوية، والسياحة التراثية، والإستثمار في الثقافة كقوة إقتصادية ناعمة. إنها المدينة التي تُثبت أن الماضي يمكن أن يكون موردًا للمستقبل، وأن التنمية لا تُقاس فقط بالمصانع والطرق، بل أيضًا بقدرة الشعوب على تحويل تراثها إلى طاقة إنتاجية مستدامة. ففاس، المدينة التي تتنفس التاريخ، أصبحت اليوم تتحدث بلغة الاقتصاد الحديث دون أن تفقد ملامحها الأصيلة.

شارك المقال