إنطلاقة العام الدراسيّ في «مجمع المدارس المؤقّت» في ميس الجبل: بداية جديدة في أعقاب الحرب الإقتصادية والإنسانية

إفتُتِحَ العام الدراسيّ في مجمع المدارس المؤقّت في بلدة ميس صباح اليوم الإثنين، حيث جرى إستيعاب أعداد كبيرة من التلاميذ في غرف جاهزة مؤقتة كخطوةٍ للتعافي من تداعيات الحرب والتدهور الإقتصاديّ. يشكّل هذا المجمع نموذجاً عمليّاً لإستجابةٍ طارئةٍ في ظلّ الأزمات المتراكمة منذ بدء العمليات العسكرية في خريف 2023 وما تلاها من تداعيات.
تُشير بيانات اليونيسف إلى أنّ أكثر من 000 500 طفل في لبنان أصبحوا خارج التعليم بسبب سنوات من الأزمات والضغوطات الإقتصادية، وحتّى بعد وقف الأعمال العدائية لا يزال ما يزيد على 25 ٪ من الأطفال خارج المدرسة . وقد وثّقت هيومن رايتس ووتش أنّ أكثر من 100 مدرسة في جنوب لبنان دُمّرت أو تضرّرت بشدّة منذ بداية الأعمال العدائية الإسرائيلية في تشرين الأول/أكتوبر 2023، مما دفع إلى إستخدام العديد منها كملاجئ للنازحين.
من الناحية الإقتصادية، فإنّ الحاجة إلى هذا المجمع المؤقّت تنبع من الحاجة العاجلة لإستئناف التعليم في منطقة كانت من الأكثر تضرّراً وإقتصادياً منهكة. تقرير خطة الإستجابة 2025 لقطاع التعليم في لبنان يُشير إلى أنّ نحو 27 ٪ من الأطفال والشباب في البلاد يعانون من قيود في التسجيل أو الإنتظام في التعليم، وأن أكثر من 300 مدرسة تأثّرت بشكل مباشر أو غير مباشر بالحرب والبنى التحتية المتضرّرة.
تمّ تجهيز عدد من الغرف الجاهزة في ميس الجبل لإستقبال التلاميذ والطلبة مع مراعاة توزيع الصفوف والإشراف التربويّ. وعلى الرغم من أنّ الأرقام الدقيقة لعدد الغرف أو عدد الطلبة في هذا المجمع لم تُنشر حتى اللحظة، إلا أن المعطيات الوطنية تُعطي صورةً واضحة عن حجم التحديات التي تُواجَه. على سبيل المثال، نصف المدارس الرسمية في لبنان تحوّلت إلى ملاجئ أو أُستُخدمت لأغراض الإيواء، مما عطّل سير التعليم العادي.
يحتضن هذا المجمع أطفالاً وعائلاتٍ تأثّرت من الحروب والتهجير والنزوح الداخليّ، ويُعدّ الخيار المؤقّت الأكثر واقعية لضمان إستئناف الدوام الدراسيّ. ومن الناحية الإقتصادية فإنّ التعليم الصلب والمستمرّ يُعدّ إستثماراً في رأس المال البشريّ، وعند تأخير استئنافه أو توقفه لفترات طويلة ترتفع كلفة الفرص الضائعة ليس فقط على الفرد بل على الإقتصاد المحليّ والوطنيّ كلّه.
لكنّ الطريق ليس خالياً من التحدّيات فإرتفاع تكلفة التشغيل والصيانة لغرف التعليم المؤقتة، وضغوط الأسر التي تعاني من مستويات فقرٍ متزايدة، ونقص المعلمين والموارد، كلّ ذلك يشكل عائقاً. فقد أشار تقرير إلى أن ثُلث الأسر خفضت إنفاقها على التعليم لتوفير الإحتياجات الأساسية بعد الحرب.
إنّ إنطلاقة اليوم في مجمع ميس الجبل تمثّل خطوة رمزية وجدية في مسار إعادة البناء التعليميّ والإقتصاديّ، وهي تحمل رسالة واضحة بأنّ الإستثمار في التعليم بعد الحرب ليس رفاهية، بل ضرورة إقتصادية وإجتماعية. ويبقى ضمان التمويل المستدام، صيانة البُنى، وتأهيل المعلمين ودعم الطلاب المعرّضين للخطر من أولويات لضمان أن لا تُصبح هذه البداية المؤقتة حلاً مؤقتاً بلا أثر طويل الأمد.