130,000 بئر ارتوازي غير آمن يزيد من أزمة تلوث المياه في لبنان

تُعدّ مشكلة تلوث المياه في لبنان من أبرز التحديات البيئية والصحية التي تواجه البلاد في عام 2025، حيث تتعرض مصادر المياه العذبة لضغوط متزايدة نتيجة النشاط الصناعي والزراعي المكثف، إضافة إلى ضعف البنية التحتية لمعالجة مياه الصرف الصحي. هذه المشكلة ليست محصورة في مناطق محددة، بل تشمل معظم الأنهار والبحيرات والينابيع الطبيعية، مما يجعلها قضية وطنية تتطلب إستجابة عاجلة ومنسقة من الحكومة والمجتمع المدني على حد سواء.
يُعتبر نهر الليطاني، الذي يمتد على طول 170 كيلومترًا، من أكثر المسطحات المائية تلوثًا في لبنان، إذ تصب فيه أكثر من 7,000 مصدر تلوث، بما في ذلك الصرف الصحي غير المعالج والمخلفات الصناعية والزراعية. كما تُستخدم نحو 130,000 بئر ارتوازية للتخلص من مياه الصرف الصحي بطريقة غير آمنة، ما يزيد من تفاقم المشكلة ويهدد صحة المواطنين بشكل مباشر (الجزيرة نت، 2025). هذا التلوث يؤدي إلى تراكم المواد العضوية والكيميائية في مياه النهر، وهو ما يخلق بيئة مناسبة لنمو البكتيريا والفيروسات الضارة، ما يزيد من إحتمالية إنتشار الأمراض المنقولة عبر المياه، مثل الكوليرا والإسهالات وأمراض الجلد.
تلعب المصانع المحيطة بالنهر دورًا كبيرًا في تدهور جودة المياه، حيث تقوم بتصريف مخلفاتها الكيميائية دون معالجة مناسبة، ما يزيد من تركيز المعادن الثقيلة والمواد السامة ويؤثر على التنوع البيولوجي في الحوض. وقد تم تسجيل حالات نفوق كبيرة للأسماك وتدهور في الحياة البرية في بحيرة القرعون، نتيجة تراكم الملوثات وإرتفاع نسب المواد الضارة، وهو ما يعكس خطورة التلوث على النظم البيئية المحلية.
تتأثر صحة الإنسان بشكل مباشر بسبب تلوث مياه الشرب والري، إذ تُسقى المزروعات من مصادر ملوثة، ما يزيد من خطر إنتقال الأمراض إلى الإنسان من خلال الغذاء والماء. وقد أظهرت الدراسات الحديثة أن إستمرار هذه الممارسات من شأنه أن يزيد من العبء الصحي على المواطنين، خاصة في المناطق الريفية التي تعتمد على المياه السطحية والجوفية في الزراعة والاستهلاك اليومي.
إتخذت الحكومة اللبنانية عدة خطوات لمعالجة مشكلة تلوث المياه. ففي تشرين الأول/أكتوبر 2025، أصدرت وزارة الصحة العامة قرارًا بتوقيف شركة "ينابيع مياه تنورين" عن تعبئة المياه وسحب منتجاتها من الأسواق بعد ثبوت تلوثها ببكتيريا "بسودوموناس إيروجنوزا". كما إجتمعت الهيئة الوطنية للمياه في آب/أغسطس 2025 لمناقشة تلوث نهر الليطاني وشح المياه، حيث أكدت على ضرورة وضع حلول تنفيذية ومستدامة لمعالجة التلوث المزمن، بما في ذلك تحسين معالجة مياه الصرف الصحي ومراقبة الأنشطة الصناعية والزراعية.
من المتوقع أن تواجه البلاد مزيدًا من التحديات في مجال المياه خلال السنوات المقبلة، خاصة في ظل أزمة الجفاف الحاد التي تمر بها لبنان في عام 2025، والتي تُعد الأسوأ منذ أكثر من 65 عامًا، مهددة الأمن المائي والزراعي والبيئي في المنطقة. للتعامل مع هذه الأزمة، أوصى الخبراء بضرورة تنفيذ مشاريع لمعالجة مياه الصرف الصحي، وتشديد الرقابة على المصانع والمزارع لتقليل تصريف المخلفات.
إن معالجة مشكلة تلوث المياه في لبنان تتطلب إستراتيجية شاملة تجمع بين الرقابة الفعّالة على المصادر الصناعية والزراعية، وتحسين البنية التحتية لمعالجة المياه، وتوعية المواطنين حول أهمية الحفاظ على المياه وترشيد إستخدامها. هذه الجهود المشتركة ضرورية لضمان بيئة صحية ومستدامة للأجيال القادمة، مع التركيز على الوقاية والإستدامة بدلًا من التعامل مع الكوارث بعد وقوعها .