Contact Us
تكنولوجيا

التحوّل الرقمي في المصارف العربية ودوره في محاربة الفساد المالي

.

وفقاً لتقرير الإتحاد الدولي للإتصالات (ITU)، فإن العالم العربي شهد خلال العقد الماضي قفزة نوعية في الإتصال الرقمي، حيث تضاعف عدد مستخدمي الإنترنت ثلاث مرات، ما وفّر قاعدة رقمية مكنت المصارف من إعتماد أنظمة دفع إلكترونية أكثر أماناً وتكاملاً. هذه الأنظمة، القائمة على البيانات المفتوحة والذكاء الإصطناعي، ساعدت في بناء بيئة مالية يمكن مراقبتها وتحليلها بشكل لحظي، وهو ما يقلل بشكل كبير من فرص التلاعب أو التحويلات المشبوهة.

تشير دراسة Mordor Intelligence (2025) إلى أن حجم سوق التكنولوجيا المالية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بلغ نحو5.65 مليار دولار في عام 2025، ومن المتوقع أن يتجاوز 10 مليارات دولار بحلول عام 2030، وهو نمو يعكس إندماج المصارف العربية في الإقتصاد الرقمي العالمي. هذا التوسع في التكنولوجيا المالية (FinTech) أسهم في تطوير أدوات مراقبة مالية أكثر دقة، مثل أنظمة تتبع المعاملات (Transaction Monitoring Systems) التي تعتمد على خوارزميات ذكاء إصطناعي لإكتشاف الأنماط غير الطبيعية في التحويلات البنكية.

كما بيّنت دراسة منشورة في مجلة MDPI حزيران/يونيو 2024 أن البنوك التي إعتمدت التحوّل الرقمي الكامل سجّلت مستويات أقل من الإحتيال المالي والإداري، وحققت إستقراراً مصرفياً أكبر بنسبة 18٪ مقارنة بالمصارف التقليدية. وتوضح الدراسة أن الشفافية الناتجة عن توثيق كل حركة مالية إلكترونياً تجعل من الصعب إخفاء المعاملات غير القانونية أو تعديلها.

على الجانب العملي، تُظهر التجربة الإماراتية تقدماً نوعياً في مجال الدفع الإلكتروني والذكاء الإصطناعي في القطاع المالي. فقد أطلقت الحكومة مبادرات مثل "محفظة الإمارات الرقمية" و"الدرهم الرقمي"، مما جعل الإمارات في مقدمة الدول العربية التي تُطبّق حلولاً رقمية تحدّ من التعامل النقدي وتدعم الرقابة الفورية. وبالمثل، تبنّت السعودية برنامج "سداد" و"مدى" لتوحيد بوابات الدفع المحلية وتعزيز التكامل المالي بين المصارف.

إضافة إلى ذلك، تُشير التقارير الإقتصادية إلى أن التحوّل الرقمي ساهم في خفض المعاملات النقدية بنسبة تقارب 60٪ في معظم الإقتصادات الخليجية، ما أدى إلى تضييق الخناق على الفساد المالي الذي يجد في الإقتصاد النقدي بيئة خصبة. ومن خلال الربط بين الأنظمة المصرفية وهيئات الرقابة المالية، بات من الممكن تتبع أي تدفقات مالية مشبوهة في الوقت الفعلي تقريباً.

التحديات لا تزال قائمة، خصوصاً في دول شمال أفريقيا والمشرق العربي، حيث تتفاوت البنية التحتية التقنية وجودة الإتصال. كما أن بعض البنوك الصغيرة ما زالت تعاني من كلفة التحول التكنولوجي ونقص الكفاءات الرقمية، فيما تبقى الحاجة قائمة لتطبيق أنظمة التحقق الإلكتروني من الهوية (e-KYC) بشكل موحد على مستوى المنطقة للحد من الحسابات المجهولة.

يتفق الخبراء رغم هذه الفجوات على أن الرقمنة المصرفية أصبحت الخط الدفاعي الأول ضد الفساد المالي وغسيل الأموال في العالم العربي. فكل معاملة إلكترونية توثّق وتُخزَّن في قواعد بيانات شفافة، ما يجعل من الصعب على الأنشطة غير القانونية المرور دون رصد. ومع إستمرار الإستثمارات في البنية التحتية والحوكمة الرقمية، يمكن للمصارف العربية أن تتحول إلى نموذج إقليمي يُحتذى به في الشفافية والمساءلة المالية.

شارك المقال