الإعلام والاقتصاد: التحولات الرقمية وتأثيرها على الأسواق العالمية والعربية

في العقد الأخير، شهدت صناعة الإعلام تحولات جذرية نتيجة الثورة الرقمية التي غيرت من طريقة استهلاك الأخبار والمحتوى الإعلامي، مما أدى إلى ارتباط وثيق بين الإعلام والاقتصاد العالمي. إذ بلغ حجم سوق الإعلام العالمي نحو 2.6 تريليون دولار أميركي في عام 2023، مع توقعات بنموه السنوي بمعدل 5.5% حتى عام 2027، وهو ما يعكس دور الإعلام كقطاع اقتصادي رئيسي يساهم بشكل مباشر وغير مباشر في الناتج المحلي العالمي، حسب بيانات شركة الإحصاءات الدولية “Statista” لعام 2024.

في العالم العربي، يمثل قطاع الإعلام جزءًا مهمًا من الاقتصاد الرقمي، حيث أشارت تقارير البنك الدولي إلى أن الاقتصاد الرقمي في المنطقة سجل نموًا نسبته 3.6% خلال عام 2024، مدفوعًا بتحسن الاستثمارات في البنية التحتية الرقمية وارتفاع عدد مستخدمي الإنترنت بشكل ملحوظ. ويبرز هذا النمو في عدد الشركات الإعلامية الرقمية الناشئة التي توفر منصات مبتكرة للمحتوى التفاعلي والخدمات الإعلامية، مما ساعد على خلق فرص عمل جديدة وتقليص نسب البطالة بين الشباب، بحسب “تقرير البنك الدولي عن الاقتصاد الرقمي العربي 2024”.

لكن قطاع الإعلام يواجه تحديات كبرى على صعيد الحرية الإعلامية، إذ أظهر تصنيف منظمة “مراسلون بلا حدود” لعام 2024 تراجع حرية الصحافة في عدة دول عربية، وهو ما يؤثر على جودة المحتوى وتنوعه ويحد من قدرة الإعلام على أداء دوره الرقابي والتثقيفي بشكل فعال. ويعد هذا التحدي أحد أهم العوامل التي قد تؤثر على القيمة الاقتصادية للإعلام في المنطقة، خاصة فيما يتعلق بالاستثمارات الأجنبية والمحلية في القطاع.

على صعيد الإعلام الرقمي، أظهرت دراسة “Digital News Report 2024” التي أعدها معهد رويترز لأبحاث الصحافة الرقمية أن نسبة مستخدمي الأخبار الرقمية يوميًا تجاوزت 95% في 46 دولة حول العالم، وهو ما يعكس تحوّلًا كبيرًا في عادات استهلاك المعلومات. ويشير التقرير إلى أن الشباب يشكلون الفئة الأكبر من مستهلكي الإعلام الرقمي، مما يخلق سوقًا واسعة للإعلانات الرقمية ويزيد من مساهمة الإعلام في الاقتصاد الرقمي.

وفيما يتعلق بالاقتصاد الرقمي العربي، أظهر “المؤشر العربي للاقتصاد الرقمي 2024” تحسنًا ملحوظًا في البنية التحتية الرقمية لبعض الدول، خاصة في الإمارات والسعودية ومصر، وهو ما يعزز قدرة الإعلام الرقمي على النمو والتوسع. إذ تشير البيانات إلى أن حجم الإنفاق على الإعلان الرقمي في الشرق الأوسط بلغ 3.2 مليار دولار خلال عام 2024، مع توقعات بالزيادة بنسبة 12% خلال السنوات الثلاث القادمة، بحسب تقرير “المؤشر العربي للاقتصاد الرقمي 2024”.

تجدر الإشارة إلى أن الاستثمار في الإعلام الرقمي لا يقتصر على الإعلانات فقط، بل يشمل تطوير منصات تفاعلية وخدمات تقنية حديثة مثل الذكاء الاصطناعي والتحليلات البيانية لتحسين تجربة المستخدم، وهو ما يعزز من قيمة الإعلام الاقتصادية ويجعله محفزًا رئيسيًا للنمو في القطاعات الأخرى مثل التجارة الإلكترونية والتعليم والتسويق الرقمي، وفق دراسة “ريديتشرز إنستيتيوت لأبحاث الإعلام الرقمي 2024”.

ختامًا، يظهر بوضوح أن الإعلام أصبح أحد الأعمدة الأساسية للاقتصاد العالمي والعربي، وأن نجاح القطاع الاقتصادي يتطلب مواكبة التطورات الإعلامية الرقمية وتعزيز حرية الإعلام وتطوير البنية التحتية الرقمية لضمان استدامة النمو الاقتصادي ورفع مستوى التنافسية بين الدول. الاستثمار في الإعلام الرقمي اليوم يعكس المستقبل الاقتصادي للغد، ويضع الدول في موقع الريادة ضمن الاقتصاد العالمي المتغير باستمرار، بحسب التقارير الدولية للبنك الدولي ومنظمة مراسلون بلا حدود ومعهد رويترز لأبحاث الإعلام الرقمي والمؤشر العربي للاقتصاد الرقمي لعام 2024.