ارتفاع أسعار الفضة في لبنان: إنعكاس للأزمات العالمية وتداعيات محلية متزايدة

ارتفاع أسعار الفضة في لبنان
يشهد لبنان منذ منتصف عام 2025 ارتفاعًا كبيرًا في أسعار الفضة، وهو جزء من موجة عالمية شملت معظم الأسواق، حيث تجاوز سعر الأونصة 50 دولارًا لأول مرة منذ أكثر من قرن. إلا أن خصوصية الإقتصاد اللبناني جعلت أثر هذا الإرتفاع أكثر حدة على السوق المحلية. فالفضة في لبنان تُستورد بالكامل تقريبًا، ما يعني أن أي زيادة في الأسعار العالمية تنعكس فورًا على الأسعار المحلية دون أي وسيلة للتخفيف أو التوازن. وتتعدد الأسباب التي قادت إلى هذا الإرتفاع، بين عوامل عالمية وأخرى محلية.
أدت التوترات الإقتصادية والجيوسياسية إلى زيادة الإقبال على المعادن النفيسة مثل الذهب والفضة على الصعيد العالمي، بإعتبارها ملاذًا آمنًا في ظل ضعف العملات وإرتفاع الديون وتراجع العوائد الحقيقية على الأصول المالية. ومع تفاقم الأزمات الدولية والإختلالات التجارية بين الدول الكبرى، أصبح المستثمرون يتجهون نحو الفضة للتحوّط من التضخم وحماية ثرواتهم. كما أن إدراج الفضة ضمن قائمة "المعادن الحرجة" في الولايات المتحدة خلال عام 2025، إلى جانب فرض تعريفات جمركية جديدة على المعادن الأساسية مثل النحاس، رفع من مكانة الفضة كعنصر إستراتيجي في سلاسل الإمداد الصناعية.
كذلك تواجه الأسواق العالمية نقصًا في المعروض بسبب طبيعة إنتاج الفضة، إذ تُستخرج عادةً كمادة ثانوية من تعدين الرصاص والزنك والنحاس، مما يجعل إستجابتها لتغيرات الطلب بطيئة. كما ساهمت القيود البيئية والإضرابات العمالية وصعوبات الشحن والنقل في تعميق أزمة الإمدادات ورفع الأسعار.
وإزداد الطلب الصناعي على الفضة نتيجة توسع إستخداماتها في مجالات التكنولوجيا والطاقة النظيفة، مثل الألواح الشمسية والسيارات الكهربائية والإلكترونيات الدقيقة، وهو ما جعلها تُعامل اليوم كعنصر صناعي وإستثماري في الوقت نفسه.
أما في لبنان، فتنعكس هذه التطورات بشكل مباشر بسبب غياب أي إنتاج محلي للفضة. فالسوق تعتمد على الإستيراد بالكامل، والتسعير يتم بالدولار الأميركي قبل تحويله إلى الليرة اللبنانية وفق سعر الصرف في السوق الموازية الذي إستقر عام 2025 عند نحو 89,500 ليرة للدولار. هذا الأمر جعل الأسعار المحلية شديدة التأثر بأي تقلب عالمي. كما أن الرسوم الجمركية على الفضة المشغولة (التي تصل إلى نحو 5%) وضريبة القيمة المضافة (11%) والرسم الإضافي المفروض على المستوردين بنسبة 3% زادت من كلفة البيع النهائية. يضاف إلى ذلك إرتفاع تكاليف الشحن والتأمين عالميًا، مما يضاعف الضغط على التجار والمستهلكين. لذلك، فإن إرتفاع أسعار الفضة في لبنان لا يُعد ظاهرة محلية معزولة، بل نتيجة تفاعل بين موجة عالمية من الطلب المتزايد ومجموعة من الأعباء الإقتصادية الداخلية، ما يجعل السوق المحلية أكثر عرضة للتقلبات وأقل قدرة على إمتصاصها.