استقالة رئيس وزراء منغوليا تُعمّق الأزمة السياسية وتُربك الأسواق الاقتصادية

قدّمت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) صباح الجمعة تقريراً يؤكد إستقالة رئيس الوزراء المنغولي غومبوغاف زاندانشاتار بعد أن فقد دعم البرلمان عقب أربعة أشهر فقط من توليه المنصب في حزيران/يونيو 2025، وهو ما اعتبرته شينخوا إشارة إلى تصاعد الخلافات داخل الحزب الحاكم وتآكل الثقة البرلمانية في أداء الحكومة. وذكرت الوكالة أن المشرعين صوتوا في جلسة اليوم بأغلبية لصالح إقالة زاندانشاتار، الذي شغل في السابق منصبي وزير الخارجية ورئيس البرلمان، لتدخل البلاد مجدداً في مرحلة سياسية مضطربة بعد إقالة رئيس وزراءها السابق للأسباب نفسها في شباط/فبراير الماضي وفقاً لما أوردته رويترز في تقريرها حول الأحداث السياسية في أول العام.
تأتي هذه الاستقالة ضمن سياق سياسي محتدم عرفته منغوليا في السنوات الأخيرة، إذ شهدت البلاد موجة من الإحتجاجات على خلفية إتهامات بالفساد وسوء إدارة الموارد، وهي قضايا وثقتها هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) منذ 2023 عندما تحدثت عن غضب شعبي متزايد من النخبة السياسية وإتهامات بتلاعب في عقود الفحم مع الصين. ويرى مراقبون إقتصاديون، نقلت عنهم وكالة بلومبيرغ، أن حالة عدم الإستقرار السياسي هذه قد تعيد البلاد إلى مربع هشاشة الثقة بالاستثمار الأجنبي، خصوصاً في قطاع التعدين الذي يمثل نحو 24% من الناتج المحلي الإجمالي و90% من الصادرات بحسب بيانات البنك الدولي لعام 2024.
من الناحية الإقتصادية، تشير أرقام البنك الدولي إلى أن الإقتصاد المنغولي حقق نمواً قدره 5.0% عام 2024 مدفوعاً بإرتفاع أسعار النحاس والفحم، إلا أن التقرير الأخير الصادر في تموز/يوليو 2025 حذّر من تباطؤ النمو إلى 5.9% هذا العام نتيجة إنخفاض الطلب الصيني على الفحم وتراجع الثقة في البيئة السياسية. كما أشار صندوق النقد الدولي (IMF) في مراجعته الدورية لإقتصاد منغوليا إلى أن التقلب السياسي المتكرر يضعف من قدرة الحكومة على تنفيذ إصلاحات هيكلية ضرورية للحفاظ على إستقرار المالية العامة، حيث يشكّل الدين العام حالياً حوالي 52% من الناتج المحلي وهو مستوى مرتفع بالنسبة لإقتصاد يعتمد على صادرات السلع الأساسية.
ويؤكد تقرير وكالة بلومبيرغ الصادر الأسبوع الماضي أن الأسواق المالية المحلية تأثرت سريعاً بعد تسريب أنباء عن نية البرلمان سحب الثقة من الحكومة، إذ إنخفضت قيمة العملة المحلية “التوغروغ” بنسبة 2.3% أمام الدولار خلال يومين فقط، فيما تراجعت أسهم شركة “إردين ريسورسز” المنغولية بنسبة 5% نتيجة مخاوف من توقف عقود إستثمار في مشاريع الفحم والنحاس. كما ذكرت بلومبيرغ أن حالة الغموض السياسي قد تؤخر مشروع خط السكك الحديدية الجديد الذي يربط مناجم الجنوب بالحدود الصينية، وهو مشروع تبلغ قيمته 1.2 مليار دولار تموله مؤسسات آسيوية بالشراكة مع بنك التنمية الآسيوي.
ووفق تحليل نشرته وكالة رويترز في تقريرها الإقتصادي الأسبوعي، فإن تكرار إستقالات رؤساء الوزراء خلال أقل من عام واحد يهدد استمرارية الخطط الاقتصادية طويلة المدى التي وضعتها الحكومة بالتعاون مع البنك الآسيوي للتنمية، لا سيما في قطاعات الطاقة المتجددة والبنية التحتية. وتشير الأرقام التي أوردها التقرير إلى أن الإستثمار الأجنبي المباشر تراجع بنسبة 14% في النصف الأول من 2025 مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وهو ما يعكس القلق المتنامي لدى المستثمرين الأجانب بشأن إستقرار النظام السياسي والشفافية الإدارية.
وفي ظل هذا الوضع، من المتوقع أن يرشح رئيس منغوليا شخصية جديدة لرئاسة الوزراء خلال الأسابيع المقبلة وفق ما أفاد به مصدر حكومي لصحيفة فاينانشال تايمز، على أن يصادق البرلمان على التعيين في أسرع وقت لتجنب فراغ سياسي قد يؤثر على مسار الموازنة المقبلة. ويرى محللون في مجموعة أكسفورد إيكونوميكس أن أي تأخير في التعيين قد يزيد من الضغوط على الأسواق المحلية ويؤدي إلى تراجع إضافي في الثقة الإستثمارية، خاصة أن قطاع التعدين المنغولي يشكّل نحو 30% من الإيرادات الحكومية، مما يعني أن أي تباطؤ في النشاط الإقتصادي ستكون له تبعات مالية فورية.
تُظهر هذه التطورات أن منغوليا تمرّ بمرحلة دقيقة من تاريخها السياسي والاقتصادي، حيث تتقاطع الأزمات السياسية مع تحديات إقتصادية ناتجة عن تراجع الطلب العالمي على السلع وتزايد الديون الخارجية، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى إستقرار سياسي لإعادة الثقة في سياساتها الاقتصادية وتعزيز علاقاتها الإستثمارية مع الصين وروسيا ودول الإتحاد الأوروبي. وبحسب ما خلص إليه تقرير صندوق النقد الدولي الصادر في آب/أغسطس 2025، فإن إستمرار حالة عدم اليقين السياسي قد يؤدي إلى “تآكل في ثقة المستثمرين وتباطؤ في الإصلاحات المالية”، وهو ما يجعل إختيار رئيس وزراء جديد قادراً على إدارة مرحلة الإستقرار الإقتصادي أمراً حاسماً في مستقبل البلاد القريب.
