Contact Us
تكنولوجيا

عين في السماء لحماية ذهب العراق الأسود... طائرات مسيّرة لمراقبة حقول النفط

مسيّرات لحماية حقول نفط العراق

في خطوة غير مسبوقة تعكس تصاعد التهديدات الأمنية وأهمية النفط في الاقتصاد العراقي، أطلق العراق برنامجًا أمنيًا متطورًا يعتمد على الطائرات المسيّرة والكاميرات الحرارية لمراقبة وحماية منشآته وحقوله النفطية الممتدة على مساحات شاسعة من البلاد، في محاولة لترسيخ السيطرة على “الذهب الأسود” وردع المهربين والعصابات التي طالما استهدفت البنى التحتية الحيوية.

وقال الفريق الركن ظافر الحسيني، المدير العام لشرطة الطاقة، في تصريح لصحيفة الصباح الحكومية، إن الطائرات المسيّرة محلية الصنع بدأت فعليًا منذ الأربعاء تنفيذ مهام مراقبة دقيقة لحقول وآبار النفط وشبكات الأنابيب والمنشآت الاستراتيجية، وذلك في إطار خطة متكاملة أُعدّت بالتعاون مع هيئة التصنيع الحربي.

وأوضح الحسيني أن المشروع الجديد يتضمن ربط جميع المواقع النفطية بشبكة متكاملة من الكاميرات الحرارية عالية الدقة، قادرة على نقل الصور والمشاهد بشكل مباشر إلى المقار الأمنية، ما يمكّن السلطات من رصد أي تحرك مشبوه والتعامل الفوري معه قبل وقوع أي ضرر.

نجاح أمني قياسي... وتهريب الوقود يتراجع 98%

وأكد الحسيني أن قوات شرطة الطاقة حققت خلال الأشهر الأخيرة نتائج غير مسبوقة في الحد من تهريب المشتقات النفطية، إذ تم خفض عمليات التهريب بنسبة 98%، مشيرًا إلى أنه لم تُسجَّل أي خروقات أمنية في شبكة الأنابيب خلال الفترة الماضية.

وأضاف أن هذه الإنجازات جاءت نتيجة خطة ميدانية محكمة تضمنت ملاحقة المتورطين في شبكات التهريب وتفكيك أوكارهم في بغداد والنجف وصلاح الدين، مؤكدًا أن جميع المتورطين أُحيلوا إلى القضاء لمحاسبتهم وفق القوانين المرعية.

وأشار إلى أن الأجهزة الأمنية باتت تعتمد اليوم أساليب تكنولوجية متطورة في حماية الطاقة، تشمل الرصد الجوي والتحليل الفوري للصور، بما يضمن استباق التهديدات بدلاً من الردّ عليها بعد وقوعها.

الطائرات المسيّرة: سلاح المستقبل في أمن الطاقة

يأتي هذا التطور بينما تسعى بغداد إلى تعزيز استقلالها في مجال أمن الطاقة بعد سنوات من الخسائر التي لحقت بالبنى التحتية نتيجة الهجمات الإرهابية وأعمال التخريب.
فخلال مرحلة العنف الطائفي وانتشار الجماعات المتطرفة، كانت شركات النفط وخطوط الأنابيب هدفًا مفضلًا للهجمات، ما أدى إلى تدمير منشآت وتعطيل عمليات تصدير الخام من شمال البلاد لفترات طويلة، وهو ما كبّد العراق مليارات الدولارات من الخسائر وأثر سلبًا على سمعته كمصدّر رئيسي في السوق العالمية.

ويرى خبراء أن دمج الطائرات المسيّرة بالتكنولوجيا الحرارية يمثّل تحوّلًا استراتيجيًا في مفهوم حماية البنية التحتية النفطية، إذ يُمكّن الجهات الأمنية من رصد مناطق نائية وظلت سابقًا خارج نطاق المراقبة المباشرة، ما يرفع من مستوى الجهوزية ويقلّص الاعتماد على الدوريات البشرية وحدها.

تكنولوجيا محلية... ورسالة أمنية قوية

ويؤكد إطلاق هذا المشروع أن العراق بات يسعى بجدّية إلى توطين صناعة التكنولوجيا الأمنية، حيث تم تصنيع الطائرات المسيّرة المستخدمة محليًا ضمن برامج التعاون مع هيئة التصنيع الحربي، ما يعزز الاكتفاء الذاتي في مجال المراقبة والحماية السيبرانية.

ويشير مراقبون إلى أن هذه الخطوة تحمل رسالة مزدوجة: فهي من جهة تؤكد تصميم بغداد على حماية ثروتها النفطية من أي تهديد داخلي أو خارجي، ومن جهة أخرى تبرز قدرات الصناعة الوطنية في إنتاج منظومات مراقبة متطورة تتماشى مع المعايير العالمية.

بهذا المشروع، يخطو العراق خطوة جديدة في مسار تحديث منظومته الأمنية النفطية، جامعًا بين الذكاء الاصطناعي والمراقبة الجوية لضمان حماية أحد أهم مصادر دخله القومي.
وفي بلدٍ يعتمد اقتصاده بنسبة تفوق 90% على صادرات النفط، تبدو العيون الإلكترونية العراقية من السماء هي الحارس الأمين للثروة التي لا تحتمل أي مخاطرة.

شارك المقال