النفط فوق 62 دولاراً بعد تصريحات ترامب... والهند تردّ: "لن نفرّط بمصالح المستهلك"

اشتعلت الأسواق العالمية من جديد مع دخول العلاقات النفطية بين واشنطن ونيودلهي مرحلة توتّر غير مسبوقة، بعدما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي تعهّد له بوقف استيراد النفط الروسي، في خطوة من شأنها أن تُحدث هزّة في توازنات الطاقة العالمية وتؤثر مباشرة على الإمدادات والأسعار.
فقد ارتفعت أسعار النفط بنحو 1% صباح الخميس، حسب رويترز، مدفوعةً بتلك التصريحات المفاجئة، إذ صعد خام برنت بمقدار 54 سنتًا، أو ما يعادل 0.87%، إلى 62.45 دولارًا للبرميل، في حين زادت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي 57 سنتًا (0.98%) لتسجّل 58.84 دولارًا للبرميل.
ويأتي هذا الارتفاع بعد جلسةٍ سابقةٍ هبط فيها الخامان القياسيان إلى أدنى مستوياتهما منذ أيار/مايو الماضي، بفعل التوتر التجاري بين الولايات المتحدة والصين وتحذيرات وكالة الطاقة الدولية من فائض في المعروض خلال العام المقبل مع زيادة إنتاج تحالف أوبك+ وضعف الطلب العالمي.
تصريحات ترامب تشعل الأسواق وتفتح جبهة جديدة مع موسكو
وقال ترامب أمس الأربعاء، إن الهند ستوقف شراء النفط الروسي، مشيرًا إلى أنه يسعى بعد ذلك لإقناع الصين بخطوة مماثلة ضمن مسعى أوسع لـ"حرمان موسكو من عائدات الطاقة" ودفعها إلى طاولة المفاوضات بشأن الحرب في أوكرانيا.
يُذكر أن روسيا تعدّ المورّد الأكبر للهند، إذ تمدّها بما يقارب ثلث وارداتها النفطية. ولم تؤكد السفارة الهندية في واشنطن هذه التصريحات أو تنفها، فيما أفادت مصادر مطّلعة لوكالة "رويترز" بأن بعض شركات التكرير الهندية تستعد لتقليص وارداتها تدريجيًا من الخام الروسي.
وفي السياق نفسه، كشف وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت أنه ناقش مع نظيره الياباني كاتسونوبو كاتو التوقّعات الأميركية بأن توقف اليابان أيضًا استيراد منتجات الطاقة الروسية، في إشارة إلى ضغوط واشنطن المتصاعدة على حلفائها في آسيا.
كما أعلنت بريطانيا فرض عقوبات جديدة على شركتي روسنفت ولوك أويل الروسيتين، تشمل منشآت تخزين وناقلات تُستخدم ضمن ما يُعرف بـ"أسطول الظل" لنقل النفط الروسي، بالإضافة إلى شركة نايارا للطاقة المملوكة لروسيا في الهند.
الهند تردّ: أولويتنا حماية المستهلك وليس الإملاءات السياسية
لم تتأخر نيودلهي في الردّ، إذ أصدرت وزارة الخارجية الهندية الخميس بيانًا واضحًا جاء فيه أن "أولوية سياسة الطاقة الوطنية هي حماية مصالح المستهلك الهندي"، مؤكدة أن وارداتها النفطية تُوجَّه حصريًا لخدمة هذا الهدف.
وأضاف البيان أن سياسة الطاقة الهندية تُستند إلى مبدأ التنويع وتأمين الإمدادات بأفضل الأسعار، مشيرًا إلى أن البلاد تعمل أيضًا على تعزيز التعاون مع الولايات المتحدة في مجال الطاقة، "ضمن مباحثات مستمرة منذ سنوات".
وأتى الرد الهندي بعد أن كان ترامب قد فرض في آب/أغسطس الماضي رسومًا بنسبة 50% على الصادرات الهندية إلى السوق الأميركية، في خطوة رآها مراقبون انتقامًا من استمرار شراء نيودلهي للنفط الروسي الذي تعتبره واشنطن أحد أهم مصادر تمويل الحرب الروسية في أوكرانيا.
وتُظهر بيانات وزارة التجارة الهندية أن النفط الروسي شكّل نحو 36% من واردات الهند عام 2024، مقارنة بـ 2% فقط قبل الحرب الأوكرانية في 2022، ما يعكس تحوّلًا جذريًا في خريطة واردات الطاقة الهندية خلال السنوات الأخيرة.
بين السياسة والاقتصاد: سوق نفط مرتبك ومستهلك متوجّس
يرى محللون أن تصريحات ترامب، وردّ الهند الحذر، يضعان سوق النفط أمام مرحلة جديدة من عدم اليقين. فالهند، ثاني أكبر مشترٍ للخام الروسي بعد الصين، تمثّل عنصر توازن أساسياً في سوق الطاقة، وأي خفض في مشترياتها سيؤدي إلى إعادة توزيع شاملة للعرض العالمي، وربما إلى ارتفاع حاد في الأسعار إذا لم تُعوّض الإمدادات من مصادر بديلة.
في المقابل، تعاني السوق الأميركية من تذبذب في الطلب المحلي، إذ أظهرت بيانات معهد البترول الأميركي ارتفاعًا في مخزونات النفط الخام بمقدار 7.36 ملايين برميل، وزيادة في مخزونات البنزين بـ 2.99 مليون برميل، بينما انخفضت مخزونات نواتج التقطير بنحو 4.79 ملايين برميل، ما يعكس طلبًا متفاوتًا بين قطاعات الطاقة الأميركية.
وبين الضغط الأميركي، والبراغماتية الهندية، والعقوبات الغربية على روسيا، يبدو أن مشهد الطاقة العالمي يدخل فصلًا جديدًا من التوترات المعقّدة.
وإذا كان الذهب قد لمع هذا الأسبوع في ظل الغموض المالي، فإن النفط بدوره يشتعل سياسيًا واقتصاديًا، لتغدو الأرقام، من 4225 دولارًا للأونصة إلى 62 دولارًا للبرميل، مجرّد انعكاسٍ لصراعٍ عالميٍّ على النفوذ والموارد.
