الذهب يكتب فصلاً جديداً في تاريخه والأونصة تتخطى 4225 دولاراً

في يومٍ جديد من الاضطراب الجيوسياسي والاقتصادي، واصل الذهب تألقه في الأسواق العالمية، مسجّلًا ارتفاعًا قياسيًا غير مسبوق الخميس، مع تدافع المستثمرين نحو الملاذات الآمنة بحثًا عن الاستقرار وسط تصاعد التوترات التجارية وتراجع الدولار، إلى جانب الرهانات المتزايدة على خفض وشيك في أسعار الفائدة الأميركية.
فبحلول الساعة 00:33 بتوقيت غرينتش، صعد الذهب في المعاملات الفورية بنسبة 0.4% ليصل إلى 4224.79 دولارًا للأوقية (الأونصة)، بعد أن لامس ذروة جديدة عند 4225.69 دولارًا، فيما ارتفعت العقود الأميركية الآجلة للذهب تسليم ديسمبر بنسبة 0.9% لتسجل 4239.70 دولارًا.
ويؤكد هذا الأداء أن الذهب يثبت مجددًا مكانته كـ"ملاذ آمن كلاسيكي" في أوقات القلق الاقتصادي والسياسي، إذ يزدهر عادة في بيئة تتسم بانخفاض أسعار الفائدة وتراجع الدولار، وقد قفز المعدن الأصفر بنحو 61% منذ مطلع العام الجاري، وهو مكسب نادر في تاريخ أسواق المعادن الثمينة.
الدولار تحت الضغط... والبنوك المركزية تواصل الشراء
وتراجع مؤشر الدولار الأميركي بنسبة 0.1% ليبقى قريبًا من أدنى مستوياته خلال أسبوع، ما جعل الذهب المقوّم بالعملة الأميركية أكثر جاذبية لحائزي العملات الأخرى.
وفي خلفية هذا المشهد، تواصل البنوك المركزية حول العالم تعزيز احتياطاتها من الذهب، في ظل مخاوف من اتساع الفجوة بين الاقتصادات الكبرى واحتمال اهتزاز سلاسل الإمداد نتيجة التوترات المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين.
التوتر التجاري بين واشنطن وبكين يتفاقم
جاءت هذه التحركات بالتزامن مع تصاعد الحرب التجارية بين القوتين الاقتصاديتين الأكبر في العالم؛ إذ وجّه مسؤولون أميركيون انتقادات حادة للقيود الجديدة التي فرضتها بكين على تصدير المعادن الأرضية النادرة، معتبرين أنها تهديد مباشر لسلاسل التوريد العالمية، ومتوعدين بردّ مناسب.
وفي تطور آخر يعكس عمق الخلاف، تبادلت واشنطن وبكين فرض رسوم موانئ على سفن كل منهما هذا الأسبوع، في خطوة جديدة تزيد من الغموض الذي يخيّم على التجارة الدولية.
الأسواق تترقب قرار الفائدة الأميركية
وتشير توقعات المستثمرين إلى أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) قد يُقدم على خفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس خلال اجتماعه المرتقب هذا الشهر، على أن يتبعه خفض إضافي في ديسمبر، ما يعزز شهية الأسواق نحو الذهب والمعادن الثمينة.
أداء بقية المعادن الثمينة
وفي السياق ذاته، ارتفعت الفضة في المعاملات الفورية بنسبة 0.2% لتبلغ 53.16 دولارًا للأوقية، بعدما سجّلت في وقت سابق هذا الأسبوع مستوى قياسيًا عند 53.60 دولارًا. كما زاد البلاتين بنسبة 0.7% ليصل إلى 1665.70 دولارًا، بينما تراجع البلاديوم قليلًا بنسبة 0.3% إلى 1540.36 دولارًا.
هذا ويرى محللون أن هذه الطفرة في أسعار الذهب ليست حدثًا عابرًا، بل انعكاسٌ مباشر لمرحلة "فوضى مالية صامتة" يعيشها الاقتصاد العالمي، حيث تتقاطع الضبابية السياسية مع هشاشة النمو الاقتصادي وتزايد احتمالات دخول الاقتصاد الأميركي في مرحلة تباطؤ.
وبينما يترقب المستثمرون قرارات البنوك المركزية المقبلة، يبدو أن الذهب يواصل ترسيخ مكانته كأحد أبرز الفائزين في مشهد اقتصادي عالمي متقلّب.
