قصة صندوق النقد الدولي… من منقذ للعالم لمتهم بالهيمنة

من وقت ما تأسّس صندوق النقد الدولي سنة 1944، بعد مؤتمر بريتون وودز بولاية نيوهامبشر الأميركية، كان الهدف منه واضح: ينظّم العلاقات النقدية بين الدول، ويمنع انهيار العملات، ويأمّن الاستقرار المالي بالعالم بعد الحرب العالمية التانية. بس بين النظرية والواقع، في مسافة طويلة كتير، لأن ومسيرة الصندوق مليانة محطّات فيها إنقاذ من جهة، وفيها وجع اقتصادي من جهة تانية.
بالبداية، كان الصندوق جزء من منظومة جديدة للعالم بعد الحرب، مع البنك الدولي، وهدفه الأساسي يخلّي كل دولة عندها احتياطي كافي من العملات الأجنبية لتقدر تواجه الأزمات وتثبّت عملتها.
كان في 44 دولة مؤسسة، واليوم صار عدد الأعضاء 190 دولة، يعني تقريبًا كل الكوكب مشترك فيه.
شو بيعمل الصندوق فعليًا؟
ببساطة، الصندوق متل "طبيب مالي عالمي" بيفحص الاقتصاد، بيعطي نصايح، وإذا البلد وقع بأزمة ميزان مدفوعات، بيقرضه مصاري مقابل تنفيذ إصلاحات اقتصادية بيسمّيها “شروط إصلاحية”.
هاد القرض عادة بيجي مع “روشتّة” بتفرض على الحكومة تخفّض الدعم، ترفع الضرائب، أو تعوّم العملة.
الصندوق بيقول إنو هالإجراءات ضرورية لتستعيد الدولة الثقة، بس الناس عادة بتشوفها إجراءات موجعة بيدفع تمنها المواطن مش السياسي.
أبرز أدواره بالأزمات
دعم دول أوروبا الشرقية بعد سقوط الاتحاد السوفييتي.
إنقاذ اليونان والأرجنتين من الإفلاس (ولو بنجاح جزئي).
مساعدة لبنان وسريلانكا وباكستان ببرامج إصلاح جديدة بعد الانهيارات المالية الأخيرة.
بس بكل مرة، الجدل بيبقى نفسه: هل الصندوق عم يساعد، أو عم بيفرض وصاية اقتصادية وسياسية؟
الإيجابيات
بيعطي ثقة بالأسواق، خصوصًا للمستثمرين يلي بيخافوا من الانهيارات.
بيساعد الدول المضروبة بأزمة ترجع توازن ماليتها بسرعة.
بيوفّر شبكة أمان نقدي، وبيخلّي العملات ما تنهار بسرعة متل دومينو.
السلبيات
الشروط يلي بيفرضها أوقات بتكون قاسية، خصوصًا على الطبقات الفقيرة.
في كتير بلدان بتقول إنو وصفاته "جاهزة" وما بتراعي خصوصية كل اقتصاد.
أوقات بينتقدوه إنو بيهتم بالاستقرار المالي أكتر من العدالة الاجتماعية أو النمو الحقيقي.
مين بيحرك القرار؟
هون بيتدخل العامل السياسي:
الولايات المتحدة هي أكبر مساهم بالصندوق (حوالي 17% من الأصوات)، يعني ما في قرار كبير بيمشي من دون موافقتها.
وبما إنّ واشنطن هي يلي بتعيّن عادة المديرة العامة (حالياً كريستالينا جورجيفا البلغارية)، الكل بيقول إنّ القرار الفعلي مرتهن بشكل أو بآخر للبيت الأبيض، خصوصًا وقت بيكون في خلافات مع دول مثل إيران، فنزويلا، أو روسيا.
الصندوق بينفي طبعًا، وبيقول إنّ قراراته تقنية وما إلها علاقة بالسياسة. بس الوقائع دايمًا بتترك علامة استفهام.
اليوم... وين رايح الصندوق؟
بظلّ الحروب التجارية، وأزمات الديون، وتحديات المناخ، الصندوق عم يحاول يغيّر صورته: صار يحكي عن العدالة الاجتماعية، والتحوّل الأخضر، ودعم الاقتصادات الرقمية.
بس هل فعلاً بيتطوّر، أو بس عم يجمّل وجهه؟ الجواب بعده مفتوح…
خصوصًا إنّ دول الجنوب العالمي عم تطالب بإصلاحات داخلية بالصندوق تضمن صوت أكبر للدول النامية، مش بس للأقوياء.
والخلاصة إنو من الـ1944 لهلق، صندوق النقد الدولي بقي واحد من أكتر المؤسسات تأثيرًا بالعالم، بس كمان أكترها جدلاً.
هو منقذ للبعض، ومصدر وجع لغيرهم. وربما السؤال الحقيقي مش إذا لازم نلغيه أو نحاربه، بل كيف نصلّح طريقته بالإنقاذ، لتصير العدالة والكرامة الاقتصادية جزء من معادلاته، مش ضحاياها.