خطر الذكاء الاصطناعي الحقيقي: تكنولوجيا “باهتة” تسرق الوظائف دون أن تفيد أحداً

بينما ينشغل العالم بالحديث عن هيمنة الذكاء الاصطناعي على الوظائف أو قدرته الخارقة على تغيير وجه الاقتصاد، يحذر الاقتصادي الحائز على نوبل دارون عجم أوغلو من خطرٍ آخر أكثر خفاءً، وهو خطر "الأتمتة المتوسطة" التي لا تُنتج ثورة إنتاجية، بل تكنولوجيا “عادية” تُطيح بالعمال وتزعج المستخدمين دون أي مكسب حقيقي. إنها الحقبة التي تُغري فيها الشركات بتبني أدوات ذكاء اصطناعي لا تضيف شيئًا سوى خفض النفقات... ورفع منسوب الإحباط الإنساني.
ويرى أجم أوغلو، أستاذ الاقتصاد في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، أن أخطر ما قد يواجه الاقتصاد العالمي ليس الذكاء الاصطناعي الذي يحل محل البشر كليًا، بل ذاك الذي يفعل نصف المهمة فقط: يخفض العمالة دون أن يرفع الإنتاجية. “الأدوات التي تكون مقبولة بالكاد، ولكنها لا تدهش أحدًا”، كما يقول، مستشهدًا بأمثلة مثل الأكشاك الذاتية للدفع أو أنظمة الرد الآلي في مراكز الخدمة، وفقًا لما أوردت شبكة بلومبيرغ.
ويحذر عجم أوغلو من أن الاندفاع غير المدروس لتبني الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى موجة من "الأتمتة العقيمة"، إذ يضخّ المستثمرون والشركات أموالهم في تقنيات لم تنضج بعد. فبحسب استطلاع لمؤسسة “ماكينزي”، لا يتجاوز عدد الشركات التي حققت عائدًا ملموسًا من دمج الذكاء الاصطناعي في عملياتها 1% فقط، رغم أن الغالبية تخطط لزيادة إنفاقها عليه.
شركة التكنولوجيا المالية “كلارنا” شكّلت مثالًا صارخًا: فقد استبدلت موظفي الدعم ببرمجيات ذكية، لكنها اضطرت بعد 18 شهرًا إلى التراجع تحت ضغط الشكاوى. تجربة كلارنا لم تكن سوى نسخة جديدة من قصة “الخدمة الذاتية” في المتاجر الكبرى، التي بدأت منذ ثمانينيات القرن الماضي وأدت إلى اختفاء مئات آلاف الوظائف، دون أن تحقق عائدًا استثماريًا واضحًا.
ورغم الانتشار الواسع لتقنيات الدفع الذاتي في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، لا تزال مشاكل الأعطال والسرقة والإحباط تتكرر، مما دفع متاجر كبرى مثل “وولمارت” و“تارغت” إلى تقليص استخدامها.
وتشير تقارير من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا إلى أن 95% من التجارب التجريبية لتطبيقات الذكاء الاصطناعي لم تحقق أي عائد يُذكر. ويرى الباحثون أن المشكلة ليست فقط في الأدوات، بل في الطريقة التي تُطبق بها: كيف تُصمم بيئة العمل لتتكامل مع التكنولوجيا لا لتستبدل الإنسان؟
وفي حين يعتقد بعض المتفائلين أن الطفرة الحقيقية قادمة خلال عام أو اثنين، يحثّ أجم أوغلو القادة التنفيذيين على التمهل والتفكير في ما يجعل شركاتهم مميزة. “لا يمكنك أن ترش التكنولوجيا فوق شركتك كما لو كانت بهارات على طبق جاهز”، يقول. “اسعَ إلى تعزيز القيمة الإنسانية في عملك، لا إلى محوها".