Contact Us
Ektisadi.com
اقتصاد

من يربح ومن يخسر في معركة الدولار والروبوتات المالية؟

.

يواجه الدولار الأميركي حالة من التراجع المستمر منذ بداية عام 2025، حيث فقد نحو 11% من قيمته خلال النصف الأول من العام، وهو أكبر انخفاض نصف سنوي منذ أكثر من خمسين عامًا. ويعزى هذا التراجع إلى سياسات الرئيس دونالد ترامب الاقتصادية المثيرة للجدل، الانعزالية التجارية، والضبابية السياسية والاقتصادية التي هيمنت على المشهد الأميركي منذ تسلمه مقاليد السلطة في ولايته الثانية.

بعد انتعاش قصير عقب إعادة انتخاب ترامب، حيث اعتبرته الأسواق داعمًا للنمو ورجال الأعمال، فقد الدولار سريعًا جاذبيته كملاذ آمن، فيما لجأ المستثمرون إلى الذهب والعملات الأجنبية كخيار للتحوط، بحسب وكالة رويترز.

ومنذ منتصف كانون الثاني/يناير ، بدأ مؤشر الدولار بالانخفاض متأثرًا بقرارات ترامب الاقتصادية الأولى، لا سيما الرسوم الجمركية والنزعة الانعزالية التي روجت لشعار "أميركا أولًا". هذه السياسات أدت إلى تراجع الثقة في إدارة داعمة للأعمال، لتحل محلها مخاوف مستمرة بشأن التضخم المرتفع وأسعار الفائدة وتأثيرها على الاقتصاد والشركات الأميركية.

بحسب توقعات مورغان ستانلي، قد يصل مؤشر الدولار إلى مستوى 91 بحلول منتصف 2026، مع استمرار حالة عدم اليقين السياسي والاقتصادي، رغم تسجيل انتعاش طفيف في تشرين الأول/أكتوبر بعد بلوغه أدنى مستوياته في أيلول/سبتمبر عند نحو 96 نقطة.

الذكاء الاصطناعي وخوارزميات التداول: اللاعب الجديد في السوق

ما يميز المشهد الاقتصادي الحالي هو دخول التكنولوجيا المالية الحديثة والذكاء الاصطناعي في قلب أسواق العملات. تعتمد البنوك الاستثمارية الكبرى وصناديق التحوط على روبوتات تداول ذكية وخوارزميات تحليل البيانات الضخمة للتنبؤ بحركة الدولار وتحركات الأسواق المالية بشكل لحظي.

• تقوم هذه الأنظمة بتحليل ملايين نقاط البيانات الاقتصادية والسياسية، من مؤشرات التضخم إلى قرارات الفائدة وبيانات الشركات الكبرى.

• توفر الخوارزميات تنبؤات دقيقة لمخاطر الدولار وتقلباته، ما يمكن المستثمرين من تقليل خسائرهم أو الاستفادة من انخفاض العملة.

• تتحرك الأسواق بشكل أسرع بكثير عند صدور أي بيان اقتصادي أو سياسي، بحيث تتفوق سرعة الروبوتات على البشر، أحيانًا مسببة تقلبات أكبر من تلك التي يفرضها العامل البشري.

ورغم هذه المزايا، تظل الخوارزميات محدودة في قدرتها على التنبؤ بالسياسات المفاجئة وغير المتوقعة، مثل قرارات ترامب بشأن الرسوم الجمركية أو الضرائب، ما يجعل الاعتماد الكلي على التكنولوجيا محفوفًا بالمخاطر على المدى القصير.

الرابحون من ضعف الدولار

مع انخفاض الدولار، ظهرت فئات مستفيدة من هذا الضعف، أبرزها:

• المستثمرون في الذهب، حيث تجاوز سعر الأوقية 4000 دولار في 8 تشرين الأول/أكتوبر، مدفوعًا بالطلب على الملاذات الآمنة وسط الإغلاق الحكومي وتوقعات خفض الفائدة، وفق رويترز.

• المصدرون الأميركيون، الذين أصبح إنتاجهم أرخص في الأسواق العالمية، ما يعزز الصادرات خصوصًا في مجالات التصنيع والتكنولوجيا.

• المستثمرون في الأصول الأجنبية، الذين يحققون عوائد أعلى عند تحويل الأرباح إلى الدولار الضعيف.

• السياح الأجانب في الولايات المتحدة، الذين يستفيدون من قوة شرائية أعلى، ما يعزز قطاع السياحة المحلي.

• الدول الساعية لتقليل الاعتماد على الدولار، مثل الصين والهند، والتي يمكنها الآن إدارة احتياطياتها بالدولار وتحويل مزيد من التجارة للعملات المحلية.

• الدول المثقلة بالديون، خاصة في أفريقيا، إذ يخفف ضعف الدولار عبء سداد الديون المقومة بالعملة الأميركية، مانحًا مرونة مالية أكبر لدعم النمو المحلي وتمويل مشاريع التنمية.

... والخاسرون

في المقابل، هناك فئات تتأثر سلبًا بانخفاض الدولار:

• المستهلكون الأميركيون، الذين يواجهون ارتفاع أسعار السلع المستوردة وتكلفة السفر للخارج.

• المستوردون، الذين يتحملون تكاليف أعلى للسلع الأجنبية، ما يقلص هوامش الربح ويرفع الأسعار محليًا، متسببًا في توقع تراجع الواردات الأميركية حتى نهاية 2025.

• المستثمرون الأجانب في الأصول الأميركية، الذين تقل قيمة استثماراتهم عند تحويلها إلى عملاتهم المحلية، مما يخفّض الطلب على السندات والدين الأميركي.

• التضخم المتوقع أن يرتفع بنحو 30 نقطة أساس بسبب ضعف الدولار والرسوم الجمركية، وفق رويترز.

الدور المتنامي للتكنولوجيا

رغم بعض الآمال في استقرار الدولار، أعرب مسؤولون أوروبيون خلال اجتماعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في واشنطن عن شكوكهم في إمكانية زوال حالة عدم اليقين حول السياسات التجارية الأميركية.

تشير المؤسسات الدولية إلى أن النهج غير المتوقع لإدارة ترامب يربك النظام التجاري العالمي، ويحفز المستثمرين على التحول نحو الأصول الأجنبية، ما ينعكس سلبيًا على الدولار.

ومع ذلك، يبقى الدولار محور النظام المالي العالمي، إذ ما تزال أكثر من نصف الصادرات العالمية مقومة به، مما يضمن مكانته كعملة احتياط رئيسية على المدى الطويل.

ورغم خفض الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة، يبقى التضخم تحديًا مستمرًا. يتوقع محافظ الاحتياطي الفيدرالي، مايكل بار، أن يظل التضخم مرتفعًا، مما قد يقيد قدرة البنك على خفض أسعار الفائدة بشكل إضافي، وفق رويترز.

الدولار الأميركي اليوم يواجه تحديات مزدوجة: سياسية واقتصادية من جهة، وتكنولوجية من جهة أخرى. دخول الذكاء الاصطناعي وخوارزميات التداول في قلب السوق يجعل حركة العملة أسرع وأكثر تقلبًا، ويغير قواعد اللعبة بالنسبة للمستثمرين والحكومات.