Contact Us
Ektisadi.com
بزنس

المنصات الصينية تتحدى أمازون... تجارة إلكترونية منخفضة التكلفة تغيّر موازين السوق العالمية

.

برزت المنصات الصينية مثل "علي إكسبرس" و "شي إن" كقوى اقتصادية رقمية عالمية تنافس بقوة عملاق التجارة الإلكترونية الأميركي "أمازون" في السنوات الأخيرة، ، بعد أن استطاعت اجتذاب مئات الملايين من المستخدمين عبر نموذج يقوم على الأسعار المنخفضة وسرعة الإنتاج والتوريد. هذا التحول لم يكن مجرد صدفة، بل نتيجة لاستراتيجية اقتصادية ممنهجة تسعى من خلالها الصين إلى ترسيخ حضورها في الاقتصاد الرقمي العالمي، عبر شركات تجمع بين الكفاءة الصناعية والابتكار التكنولوجي.

أصبحت الصين خلال العقدين الماضيين مركزًا عالميًا للتجارة الإلكترونية، مدعومةً ببنية تحتية رقمية متطورة وانتشار الإنترنت وسعة التصنيع الضخمة. ومع تباطؤ النمو في السوق المحلي وتراجع هوامش الأرباح، اتجهت شركات مثل "علي بابا" من خلال منصتها "علي إكسبرس" وشركة "شي إن" إلى الأسواق العالمية، مستهدفة المستهلكين في أوروبا وأميركا والشرق الأوسط بأسلوب جديد يعتمد على التجارة عبر الحدود وفقًا لتقارير Statista.

تأسست "عي إكسبرس" كمنصة تتيح للتجار الصينيين بيع منتجاتهم مباشرة للمستهلكين في الخارج دون وسطاء، ما مكّنها من تقديم أسعار أقل بكثير مقارنة بالأسواق المحلية. أما "شي إن"، التي انطلقت عام 2008 كموقع لبيع الملابس، فقد أصبحت اليوم رمزًا لعصر الموضة السريعة (Fast Fashion) بفضل قدرتها على إنتاج آلاف التصاميم أسبوعيًا، بناءً على تحليل فوري لبيانات الطلب. تقرير صادر عن Harvard Business School أوضح أن "شي إن" طوّرت نظامًا رقمياً متقدماً يربط بين سلوك المستخدمين وقرارات الإنتاج في الوقت الفعلي، بحيث تُصمم وتُنتج الملابس حسب التوجهات التي يحددها الجمهور مباشرة عبر الإنترنت. هذا الابتكار مكّن الشركة من تحقيق سرعة إنتاج تتفوق على شركات الأزياء التقليدية بعدة أضعاف.

أحد أبرز أسرار نجاح المنصات الصينية هو القدرة على تخفيض الأسعار دون المساس بجاذبية المنتج. وفق دراسة نشرها موقع eMarketer، فإن أكثر من ثلثي المستهلكين الأميركيين الذين يستخدمون منصات مثل "شي إن" و "تيمو" المنافس المشابه لـ"علي إكسبرس" يختارونها أساسًا بسبب انخفاض الأسعار مقارنة بالمتاجر المحلية أو بمنصات مثل "أمازون" ويرجع ذلك إلى أن هذه الشركات تربط المصانع مباشرة بالمستهلكين، متجاوزةً شبكات التوزيع التقليدية ومراحل التسويق المكلفة.

تعتمد الشركات الصينية أيضًا على تقنيات تحليل البيانات لتوقّع الطلب وإعادة توجيه الإنتاج بسرعة. تقرير Harvard Business School يؤكد أن "شي إن" لا تنتج كميات ضخمة مسبقًا، بل تبدأ بكميات محدودة من أي تصميم جديد وتزيد الإنتاج فقط إذا حقق مبيعات جيدة خلال الأيام الأولى. هذا النموذج يقلل من المخزون الزائد والهدر، ويجعل الشركة أكثر مرونة في مواجهة تغير أذواق المستهلكين.

من جهة أخرى، لعب التسويق الرقمي دورًا محوريًا في توسع هذه المنصات. فبحسب eMarketer، استثمرت الشركات الصينية مبالغ ضخمة في الإعلانات عبر تطبيقات مثل TikTok و Instagram، مستهدفة فئة الشباب عبر مقاطع الفيديو القصيرة والعروض التفاعلية. كما أن "علي إكسبرس" و "شي إن" أقامتا شراكات لوجستية في عدة دول لتسريع عمليات الشحن وتقليل المدة بين الطلب والتوصيل، وهو ما أكده تقرير Statista حول التجارة الإلكترونية عبر الحدود.

لكن هذا الصعود الصيني لم يخلُ من التحديات فبحسب تقرير نشره موقع Stocktonia News، تعتمد المنصات الصينية بشكل كبير على الإعفاءات الجمركية المعروفة باسم "De minimis"، والتي تعفي الطرود الصغيرة (أقل من 800 دولار في الولايات المتحدة و150 يورو في الاتحاد الأوروبي) من الرسوم الجمركية. هذه الثغرة القانونية مكّنت المنتجات الصينية من دخول الأسواق الغربية بأسعار منخفضة، لكنها أصبحت اليوم موضع جدل متزايد، إذ يدرس الاتحاد الأوروبي إلغاء هذه الإعفاءات وفق ما نشرته رويترز في تموز/يوليو 2024، ما قد يرفع تكاليف الاستيراد ويؤثر سلبًا على تنافسية الشركات الصينية.

وفي موازاة التحديات الجمركية، تواجه المنصات الصينية انتقادات تتعلق بجودة المنتجات وحقوق الملكية الفكرية. موقع ويكيبيديا أشار إلى اكتشاف منتجات تحمل مكونات كيميائية ضارة أو مقلّدة لعلامات تجارية عالمية، بينما وصفت منظمة Fashion Dive كلًا من "شي إن" و "علي إكسبرس" و "تيمو" بأنها أسواق مشبوهة لكثرة المنتجات المقلدة فيها. كما ذكرت The Verge أن الاتحاد الأوروبي فتح تحقيقًا ضد "شي إن" بتهمة تقديم خصومات مزيفة على منتجاتها، في حين كشف تقرير Financial Times عن تحقيقات مشابهة ضد "علي إكسبرس" بسبب الترويج لمنتجات غير قانونية في أوروبا.

إضافة إلى ذلك، تعاني هذه الشركات من ضغوط مالية متزايدة فبحسب موقع Atmos Earth، شهدت "شي إن" تراجعًا في أرباحها عام 2024 رغم ارتفاع المبيعات، بسبب التكاليف المرتفعة المرتبطة بالشحن والخصومات المستمرة. الاعتماد الكبير على الأسعار المنخفضة لجذب المستهلكين قد يصبح عبئًا على المدى الطويل، خصوصًا إذا تراجعت القدرة على تحقيق هوامش ربح مناسبة.

في المقابل، تختلف استراتيجية "أمازون" جذريًا عن النموذج الصيني فهي ليست مجرد متجر إلكتروني بل منظومة متكاملة تشمل الخدمات اللوجستية، والتخزين، والحوسبة السحابية (AWS)، والاشتراكات عبر برنامج Prime هذا التنويع في مصادر الدخل يمنح "أمازون" مرونة مالية كبيرة. ومع ذلك، شعرت الشركة الأميركية بضغط المنافسة الصينية، فأطلقت مبادرات جديدة مثل"أمازون هول" التي تقدم منتجات بأسعار منخفضة وشحن بسيط في محاولة لجذب العملاء الباحثين عن الصفقات الرخيصة، وفق ما ذكره تقرير Statista.

اقتصاديًا، أسهمت هذه المنصات الصينية في تعزيز قطاع التصنيع في الصين. إذ أوضح تقرير Harvard Business School أن آلاف المصانع الصغيرة والمتوسطة استفادت من "علي إكسبرس" و "شي إن" لتصدير منتجاتها مباشرة إلى الأسواق الخارجية، ما أدى إلى خلق فرص عمل جديدة وزيادة في الناتج المحلي الصناعي. لكنها، في المقابل، خلقت ضغوطًا على الأسواق المحلية في الدول المستهلكة. فبينما يستفيد المستهلك من انخفاض الأسعار وتنوع الخيارات، تواجه المتاجر التقليدية والمتاجر الإلكترونية المحلية منافسة شرسة تؤدي أحيانًا إلى خسائر أو إغلاق. كما أشار عدد من الخبراء إلى أن هذا النموذج يحدّ من العائدات الجمركية والضريبية في بعض الدول، خاصة عندما يتم استغلال الإعفاءات الجمركية بشكل مفرط.

أما على مستوى سوق العمل العالمي، فالوضع أكثر تعقيدًا. فهذه المنصات تخلق وظائف جديدة في قطاعات النقل والتوصيل والخدمات اللوجستية الرقمية، لكنها أيضًا تؤدي إلى تراجع في فرص العمل داخل قطاع التجزئة التقليدي، خصوصًا في الدول النامية حيث يعتمد عدد كبير من العاملين على المتاجر الصغيرة والمتوسطة.

وعلى الرغم من النجاحات الكبيرة التي حققتها، إلا أن مستقبل المنصات الصينية يبقى مرهونًا بقدرتها على التكيّف مع البيئة التنظيمية الجديدة. فبحسب Financial Times، تخضع "علي إكسبرس" لتحقيقات في الاتحاد الأوروبي بشأن التزامها بالقوانين الرقمية الجديدة، بينما حذّرت The Verge من احتمال فرض قيود إضافية على "شي إن" بسبب انتهاكات حقوق المستهلكين. ومع ازدياد التشريعات الحمائية في الغرب، ستضطر هذه الشركات إلى تحسين جودة منتجاتها، وزيادة الشفافية في سلاسل التوريد، واعتماد ممارسات أكثر استدامة.

كذلك، يرى محللون أن الاعتماد المفرط على سياسة "السعر المنخفض" ليس كافيًا للبقاء في المدى الطويل، وأن نجاح هذه المنصات في المستقبل يتطلب بناء ثقة حقيقية مع المستهلكين من خلال الجودة والخدمة وليس السعر فقط. ومن المحتمل أن تلجأ الشركات الصينية إلى تنويع مصادر دخلها عبر الخدمات اللوجستية، أو إنشاء أنظمة اشتراك تشبه "أمازون برايم"، أو حتى تقديم أدوات رقمية للبائعين مثل الإعلانات والتحليل البياني.

كما أن تبني الذكاء الاصطناعي والتحليل التنبؤي سيمنح هذه المنصات دفعة جديدة، إذ يمكنها استخدام البيانات لتوقّع الطلب بشكل أكثر دقة، وتحسين إدارة سلسلة التوريد، وتقليل الفاقد. في الوقت نفسه، من المتوقع أن تتوسع هذه الشركات في بناء مستودعات محلية في الشرق الأوسط وأوروبا لتقليل تكاليف الشحن ومخاطر الرسوم الجمركية.

في النهاية، يمكن القول إن "علي إكسبرس" و "شي إن" لم تعدا مجرد مواقع للتسوق، بل أصبحتا أدوات اقتصادية ضخمة تعكس تحول الصين إلى لاعب رئيسي في الاقتصاد الرقمي العالمي. لقد غيّرت هذه المنصات طريقة الاستهلاك والإنتاج في آنٍ واحد، لكنها أيضًا فرضت تحديات على الاقتصادات الأخرى، من السياسات التجارية إلى المنافسة المحلية. وكما أظهرت التقارير من Statista وHarvard Business School و رويترز، فإن مستقبل هذه الشركات سيعتمد على قدرتها على التوازن بين الكفاءة الاقتصادية والامتثال التنظيمي، بين سرعة النمو وجودة المنتج، وبين الجذب عبر السعر وبناء الثقة طويلة الأمد.