Contact Us
Ektisadi.com
اقتصاد

الدول العظمى تفقد توازنها... هكذا تصبح القوة الاقتصادية نقمة

.

تشهد الدول العظمى مفارقة تاريخية غير مسبوقة، حيث تتصدر الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي قائمة أعلى عجوزات مالية في العالم، رغم كونها الأقوى اقتصادياً وعسكرياً. وفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي (2024)، تجاوز إجمالي عجز موازنات دول مجموعة السبع 7 تريليونات دولار، في مؤشر خطير على اختلال موازين القوى المالية العالمية.

الولايات المتحدة: عملاق مثقل بالديون

تواجه الولايات المتحدة أزمة مالية وجودية، حيث بلغ عجز الموازنة الفيدرالية مستوى قياسياً قدره 1.9 تريليون دولار في 2024، كما أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية. وتشكل خدمة الدين العام عبئاً متصاعداً، حيث تستهلك 18% من إجمالي إيرادات الموازنة، بينما تجاوزت نسبة الدين إلى الناتج المحلي 128%، وفق تقرير مكتب الميزانية في الكونغرس.

ويساهم الإنفاق العسكري الضخم، الذي يشكل 45% من الإنفاق الفيدرالي، في تفاقم الأزمة. وتشير تقديرات معهد بروكينغز إلى أن التزامات الولايات المتحدة في أوكرانيا والشرق الأوسط تكلف الخزينة الأمريكية أكثر من 200 مليار دولار سنوياً.

الصين: تنين يعاني من أمراض داخلية

رغم الصورة النمطية عن الصين كقوة اقتصادية صاعدة، تعاني البلاد من عجز مالي مخفي يقدر بنحو 800 مليار دولار، حسب تقديرات البنك الدولي. وتواجه بكين أزمة ديون متعددة الأبعاد، حيث تجاوز إجمالي ديون الحكومة المركزية والمحلية 105% من الناتج المحلي.

وكانت أزمة القطاع العقاري، التي أدت إلى إفلاس كيانات عملاقة مثل "إيفرغراند"، قد كشفت عن مواطن الضعف الهيكلية في الاقتصاد الصيني. وتستهلك مشاريع البنية التحتية العملاقة، مثل مبادرة الحزام والطريق، أكثر من 25% من الموازنة الوطنية، وفقاً لمركز الأبحاث الأمريكي-الصيني.

الاتحاد الأوروبي: قلعة تتصدع

سجل الاتحاد الأوروبي عجزاً جماعياً قدره 1.2 تريليون دولار في 2024، كما أظهرت بيانات Eurostat. وشهدت ألمانيا، القاطرة الاقتصادية لأوروبا، أول عجز في موازنتها منذ 30 عاماً، بينما تواصل فرنسا تسجيل عجز مستمر بنسبة 5.2% من الناتج المحلي.

وتشكل أزمة الطاقة الناجمة عن الحرب في أوكرانيا عبئاً إضافياً، حيث أنفقت دول الاتحاد الأوروبي أكثر من 800 مليار يورو لدعم مستهلكي الطاقة، حسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية.

الأسباب الهيكلية: من التسليح إلى الشيخوخة

الإنفاق العسكري: تضاعف الإنفاق العسكري العالمي ثلاث مرات منذ عام 2000، ليصل إلى 2.4 تريليون دولار في 2024، وفقاً لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام. وتتصدر الولايات المتحدة هذا السباق بـ 916 مليار دولار، تليها الصين بـ 292 مليار دولار.

شيخوخة السكان: تستهلك معاشات التقاعد والرعاية الصحية لكبار السن أكثر من 40% من موازنات الدول المتقدمة. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن نسبة السكان فوق 65 عاماً في أوروبا واليابان ستتجاوز 30% بحلول 2030.

المنافسة التكنولوجية: تدفع الدول العظمى مئات المليارات في سباق التكنولوجيا، حيث بلغت الاستثمارات الحكومية في الذكاء الاصطناعي 500 مليار دولار globally، وفقاً لتقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

التداعيات العالمية: اهتزاز أركان النظام الاقتصادي

تحول موازين القوى: تشهد الاقتصادات الناشئة، خاصة في جنوب شرق آسيا، صعوداً ملحوظاً. وتوقع صندوق النقد الدولي أن تتجاوز الهند ألمانيا واليابان لتصبح ثالث أكبر اقتصاد عالمي بحلول 2027.

التضخم العالمي: أدت سياسات التحفيز المالي وارتفاع أسعار الفائدة إلى موجات تضخمية عالمية. وسجل التضخم في منطقة اليورو 7.8% في 2024، وفقاً للبنك المركزي الأوروبي.

الأزمات الاجتماعية: شهدت فرنسا وإيطاليا واحتجاجات واسعة ضد سياسات التقشف، مما يهدد الاستقرار السياسي في القلب الأوروبي.

الحلول المطروحة: بين التقليدية والجذرية

الإصلاح الضريبي: تدفع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية نحو تطبيق اتفاقية الضريبة العالمية على الشركات متعددة الجنسيات، التي تستهدف فرض حد أدنى للضريبة بنسبة 15%.

إعادة هيكلة الديون: تقترح الأمم المتحدة آلية جديدة لتبادل الديون بالاستثمار في مشاريع التنمية المستدامة، خاصة في مجال الطاقة المتجددة.

الشراكات الاستراتيجية: تشهد تحالفات جديدة بين صناديق الثروة السيادية لدول الخليج واقتصادات الدول النامية، حيث استثمرت هذه الصناديق أكثر من 200 مليار دولار في مشاريع البنية التحتية العالمية خلال 2024.

السيناريوهات المستقبلية: ثلاثة مسارات محتملة

السيناريو الأول: الانهيار المنظم

يحذر البنك الدولي من احتمال حدوث أزمة ديون سيادية متسلسلة، قد تكون أكثر خطورة من أزمة 2008 المالية.

السيناريو الثاني: الإصلاح التدريجي

يتوقع خبراء صندوق النقد الدولي تعافياً بطيئاً على مدى 10-15 سنة، مع تحول نحو نموذج اقتصادي أكثر استدامة.

السيناريو الثالث: التحول الجذري

تتجه العديد من الدول نحو اعتماد العملات الرقمية للبنوك المركزية، مما قد يؤدي إلى تغيير جذري في النظام النقدي العالمي.

تواجه الدول العظمى اختباراً حاسماً في قدرتها على التكيف مع المتغيرات الجيوسياسية والاقتصادية. الأزمة المالية الحالية ليست مجرد أزمة عجز وقروض، بل هي أزمة نموذج كامل للحكم والقيادة العالمية.