Contact Us
عقارات

الاستثمار في العقار اللبناني: بين التحديات والفرص الواعدة في زمن التحولات الاقتصادية

.

يشهد سوق العقارات اللبناني في عام 2025 حالة من التعافي البطيء والمشوب بالحذر، بعد سنوات من الانهيار المالي والركود الاقتصادي العميق الذي ضرب البلاد منذ عام 2019. ومع استمرار الأزمة المصرفية وضعف الثقة بالقطاع المالي، برزت العقارات مجددًا كملاذٍ آمن نسبيًا لحفظ القيمة، خصوصًا لدى المغتربين اللبنانيين والمستثمرين الذين يتعاملون بالعملة الصعبة. وفقًا لتقرير بلومبيرغ الصادر في أبريل /نيسان 2025 وبيانات بنك عوده في “الموجز العقاري للربع الأول من عام 2025”، بلغ إجمالي قيمة المعاملات العقارية في لبنان حوالي 627.4 مليون دولار أميركي حتى نهاية شهر مارس/آذار، مسجلًا زيادة نسبتها 14% على أساس سنوي، فيما استحوذت بيروت وجبل لبنان على نحو 60% من هذه القيمة. هذا النشاط يتركز أساسًا في المناطق الحضرية ذات الطلب الثابت، بينما ما زالت المناطق الطرفية تعاني ركودًا في المبيعات بسبب ضعف التمويل المحلي.

ورغم هذا التحسّن النسبي، ما زالت التحديات البنيوية قائمة، فبحسب وكالة موديز (Moody’s) في تقريرها الصادر في مايو/أيار 2025، أبقت الوكالة تصنيف لبنان عند Caa3 مع نظرة سلبية، مشيرةً إلى استمرار الضبابية في الإصلاحات المالية والمصرفية. كما تُظهر بيانات الإدارة المركزية للإحصاء أن معدل التضخم السنوي في الربع الأول من 2025 تجاوز 120%، ما يضعف القدرة الشرائية ويجعل العقارات التي تُسعَّر بالدولار الأميركي حكرًا على فئة محدودة من المستثمرين.

أما الأسعار فتختلف بشكلٍ واسع بين المناطق. ففي بيروت، وخصوصًا في مناطق مثل رأس بيروت والأشرفية وفردان، تتراوح أسعار المتر المربع في المشاريع المتوسطة إلى الفاخرة بين 2500 و3500 دولار، بينما تُعرض الشقق القديمة أو التي تحتاج إلى ترميم بأسعار بين 1000 و1500 دولار للمتر المربع. وبحسب تقرير نقابة الوسطاء العقاريين اللبنانيين (REAL) الصادر في حزيران 2025، تتراوح الأسعار في مدن مثل طرابلس وصيدا وزحلة بين 600 و1000 دولار للمتر المربع فقط، ما يجعلها أكثر جاذبية للاستثمار المتوسط المدى.

ورغم وجود مؤشرات إيجابية، لا يخلو السوق من المخاطر. فبحسب جمعية مصارف لبنان (ABL)، لا يزال التمويل العقاري محدودًا للغاية بسبب تجميد الودائع وشحّ السيولة بالدولار. كما أن تقلّبات سعر الصرف وارتفاع تكاليف الصيانة والضرائب يقللان من العائد الفعلي على الإيجار. وتؤكد تقديرات البنك الدولي في تقرير أبريل/نيسان 2025 أن الطلب العقاري الحالي مدفوع جزئيًا باحتياجات إعادة الإعمار في الجنوب ومناطق البنية التحتية المتضرّرة، ما يخلق فرصًا حقيقية ولكنها قصيرة الأمد إذا لم تترافق مع استقرار اقتصادي عام.

ينصح الخبراء من إدارة الأبحاث في بنك بيبلوس في تقريرهم الصادر في مايو/أيار 2025 المستثمرين باتباع نهج واقعي يقوم على التحليل السوقي والتدقيق القانوني والفني وتقدير المخاطر المالية بدقة. فالمطلوب دراسة الطلب والعرض في المنطقة المستهدفة ومتابعة بيانات وزارة المالية لتحديد حجم الصفقات الحديثة، والتأكد من خلوّ العقار من الرهونات والمخالفات ومن مطابقة التراخيص، ثم بناء خطة مالية واقعية تفترض انخفاضًا سنويًا في سعر الصرف لا يقل عن 15% وارتفاعًا في تكاليف التشغيل بنسبة تتراوح بين 10 و12%.

العوائد الإيجارية تبقى محدودة نسبيًا، إذ تشير بيانات بنك عودة وبنك بيبلوس إلى أن العائد الصافي بالدولار يتراوح بين 4% و6% سنويًا في بيروت، وقد يصل إلى 8% في حالات تأجير الشقق المفروشة للمغتربين أو العاملين في المنظمات الدولية. أما العائد الرأسمالي على المدى المتوسط فيرتبط بشكلٍ مباشر بمستوى الاستقرار السياسي والاقتصادي، وهو ما يفسّر توصيف بلومبيرغ إنتليجنس في تقرير يونيو/حزيران 2025 للسوق اللبناني بأنه “انتعاش واقعي لكنه هشّ، يعتمد على الثقة أكثر من الأسس الاقتصادية”.

في الخلاصة، يشكّل الاستثمار العقاري في لبنان عام 2025 فرصة ذات وجهين. فهناك إمكانات واضحة في مناطق محددة وأسعار ما زالت دون قيمتها التاريخية، لكن المخاطر عالية وتحتاج إلى سيولة نقدية بالدولار وصبر استثماري متوسط إلى طويل الأمد. النجاح في هذا السوق يتطلب دراسة دقيقة وتنوّعًا في المحافظ العقارية ومتابعة دائمة للتقارير الصادرة عن بلومبيرغ والبنك الدولي وبنك عوده وMoody’s وجمعية الوسطاء العقاريين، لأن المشهد الاقتصادي اللبناني لا يزال متقلبًا ويتأثر سريعًا بالتطورات السياسية والنقدية.

شارك المقال