جيل الغضب: 5 مطالب تقود احتجاجات شباب المغرب

تشهد المدن المغربية موجة احتجاجات يقودها شباب ينتمون إلى ما يُسمّى "جيل زد"، تحولت بسرعة إلى تظاهرات متكررة في أكثر من مدينة صغيرة وكبيرة، وحملت مطالب اجتماعية واقتصادية وسياسية مركّزة. هذه الحركة، التي ظهرت وتنسّق كثيراً عبر منصات رقمية وشبكات مغلقة مثل Discord وTikTok وInstagram، استخدمت شعارات قوية مثل "الكراسي موجودة لكن أين المستشفيات؟" و"الكرامة قبل الملاعب" لتلخيص غضب الشارع الشاب من اختلاف أولويات الإنفاق العام والمعاناة اليومية. تقارير إخبارية ميدانية رصدت اشتباكات موضعية مع قوات الأمن وعمليات توقيف وإحالات قضائية لعدد من المتظاهرين، كما وثّقت صوراً ومقاطع فيديو انتشرت على نطاق واسع أظهرت عمليات إحراق لممتلكات وبعض الاشتباكات العنيفة في مناطق محددة.
للفهم الكامل لحجم الغضب، لا بد من الإشارة إلى خلفية اقتصادية ضاغطة. نسبة البطالة العامة تقدَّمت في الفترة الأخيرة إلى مستويات ما تزال مرتفعة نسبياً، لكن ما يثير الاحتجاج على نحو خاص هو بطالة الشباب: بلغت نسبة البطالة لدى الفئة العمرية 15–24 نحو 36% تقريباً في الربع الثاني من 2025 مع تحسّن طفيف عن الربع السابق، ما يجعل إيجاد وظيفة من أكبر التحديات أمام الخريجين والشباب الباحثين عن مصدر دخل مستقل. هذا الضعف في سوق العمل يفسر جزءاً كبيراً من شعور الإحباط وعدم الأمل لدى المتظاهرين.
على صعيد المؤشرات الكبرى، عانى الاقتصاد المغربي من تباطؤ زراعي وتأثيرات طقس وجفاف خلال العامين الأخيرين، لكن القطاعات غير الزراعية أظهرت مرونة نسبية: تقديرات البنك الدولي أظهرت نمو الناتج المحلي الإجمالي الإجمالي حول 3.2% لعام 2024 بينما تُشير توقعات صندوق النقد إلى نمو متوقع أعلى في 2025 (بنسبة تحت 4% حسب التقديرات الرسمية/المنظمات الدولية)، في حين ظل معدل التضخم منخفضاً نسبياً خلال 2024–2025 مما يخفف قليلاً من ضغوط الأسعار لكنها لا تُلغي تأثيرات البطالة والافتقار للخدمات الأساسية على مستوى الفقر والكرامة. مؤشرات الفقر متعددة المعايير (المدخَلة وطنياً وبالمقارنات الدولية مثل MPI) تُظهر أن جزءاً لا يستهان به من السكان ما يزال عرضة لخطر الفقر المتعدد والأزمات المحلية، خصوصًا في المناطق الريفية والمناطق المحرومة داخل المدن.
مطالب المتظاهرين يمكن تفصيلها واحداً واحداً لتوضيح ما يطالبون به وكيف تختلف الأولويات:
أولاً: فرص عمل حقيقية وسياسات تشغيل شبابية واضحة، تتضمن برامج توظيف وطنية مستهدفة للخريجين، دعم للشركات الصغيرة والمتوسطة، وإصلاحات في سوق العمل تقلّص الفجوة بين العرض والطلب وتجعل العقود وفرص التدريب قابلة للتحول إلى وظائف دائمة. هذا الطلب ينبع مباشرة من نسبة بطالة الشباب المرتفعة والعقبات الهيكلية في سوق العمل.
ثانياً: تحسين نظام الصحة العامة ومرافق الطوارئ في المستشفيات المحلية، مع توزيع أفضل للموارد البشرية والدواء والمعدات. الاحتجاجات استندت إلى حالات محلية صدمت الرأي العام، وقصص عن وفيات أو إخفاقات في رعاية طبية أولية، ما رفع سقف المطالبة بإعادة توجيه بعض الإنفاق من مشاريع رمزية كبيرة إلى مرافق قريبة من المواطنين.
ثالثاً: إصلاح قطاع التعليم وربط مخرجاته بسوق العمل عبر تدريب مهني فعّال، وتحسين جودة التعليم العمومي وتقليص الفوارق بين المناطق الحضرية والريفية، لأن الشباب يشكو من شهادات لا تقابلها فرص عملية. هذا مطلب ذو علاقة وثيقة بالبطالة الشبابية وبدخول الفئات الشابة إلى اقتصاد منتج.
رابعاً: محاربة الفساد والشفافية في صفقات البنية التحتية والإنفاق العام، وطالب المحتجون بمزيد من الشفافية في عقود كبيرة مرتبطة باستثمارات ضخمة مثل مشروعات البنية التحتية والملاعب والفعاليات الدولية، وطلبوا محاسبة المسؤوليْن عن سوء التوزيع أو العقود غير الشفافة. هذا البُعد سياسي/مؤسسي بقدر ما هو اجتماعي.
خامساً: تدخلات عاجلة للحد من الفقر وتحسين شبكة الحماية الاجتماعية، عبر دعم مباشر للفئات الأشد هشاشة، وبرامج دعم الغذاء والسكن في المدن التي تعاني ازدحاماً وارتفاع تكاليف المعيشة. هذه المطالب ترافقها مطالب بإنفاق حكومي أكثر عدالة.
رد فعل الحكومة اقترب من مسارين متوازيين: مسار أمني يتضمن حشد قوات الأمن وتوقيف ميداني في بعض المدن وإجراءات قضائية ضد متظاهرين اتهموا بأعمال عنف أو تخريب؛ والمسار السياسي/الإداري الذي عبّر عن الاستعداد للحوار وفتح قنوات تواصل مع ممثلين محليين ووعود بإجراءات إصلاحية أو استثمارات في بعض الخدمات. المزيج بين الرد الأمني والوعود بالإصلاح لم يخفف من شكوى كثير من الشباب الذين يرون أن وعوداً سابقة لم تُنفَّذ، وأن أي تغيّر حقيقي يتطلب خطوات قانونية واقتصادية هيكلية واضحة ومواعيد تنفيذ قابلة للقياس. منظمات حقوقية محلية دعت إلى احترام الحق في التظاهر ومحاكمة أي استخدام مفرط للقوة.
بالإجمال، احتجاجات جيل زد في المغرب ليست مجرد انفجار لحظي، بل تعبير عن خلل اقتصادي واجتماعي مركزي يتمثل في سوق عمل لا يستوعب شباب البلاد، تفاوت في توجيه الإنفاق العام بين مشاريع ضخمة وخدمات أساسية ضعيفة، ونقص في ثقة الجمهور في الآليات التقليدية للمساءلة. أي استجابة حكومية فعّالة يجب أن تجمع بين الإجراءات العاجلة (تحسينات ملموسة للخدمات الصحية والتعليمية وبرامج تشغيل مستهدفة) وإصلاحات مؤسساتية طويلة الأمد (شفافية في العقود، سياسات نمو تُولِّد وظائف لائقة، وبرامج حماية اجتماعية قابلة للتوسع)، وإلا فالمناخ الاحتجاجي قد يعود بقوة مع تحولات رقمية سهلة للتعبئة.