الصين بين التخلي عن وضعها كدولة نامية إلى تحديات الصراع التجاري و السياسة النقدية

برز دور الإقتصاد الصيني، حيث تخلت عن المزايا الممنوحة لها بوصفها دولة نامية، ما يدل عن درجة عالية من الثقة بقوة اقتصادها في ظل الحرب التجارية.
و أشارت وسائل الإعلام، إلى سعي الصين إلى أن تكون أمين حفظ لإحتياطيات الذهب السيادية للبنوك المركزية للدول الأخرى، الأمر الذي سيقود الصين لتصبح أحد الفاعلين الجدد في السوق العالمي للذهب.
فمنذ عام 2016، نجحت الصين في جعل عملتها ضمن العملات الرئيسة عالميا، بجانب الدولار، وعدة عملات أخرى، لكن لا يزال أداء اليوان كعملة للتسويات التجارية والمالية عالميا محدود الأثر.
كما وجهت اتهامات من قبل أميركا والاتحاد الأوروبي للصين، لكون العملة الصينية مقومة بأقل من قيمتها، وهو ما يعد دعما لصادراتها، إلا أن الصين اعتبرت هذه المسألة من خصوصيات سيادتها.
في سياق متصل، بلغ سعر صرف الدولار أمام اليوان في عام 1994م 8.6 يوانات، وذلك قبل أن يشهد تحركات صعودية طفيفة، حيث بلغ 8.19 عام 2005، ثم صعد عام 2021 أمام الدولار عند 6.45، في حين تراجع عام 2024 إلى 7.20 يوانات للدولار، وبذلك ارتفعت قيمة العملة الصينية خلال 30 عاما بنحو 16%.
وقد شهدت الصادرات السلعية الصينية قفزة نوعية من 121 مليار دولار عام 1994 إلى 3.58 تريليونات دولار عام 2024، وهو ما أدى بزيادة قيمتها نحو 3.4 تريليونات دولار..
أما على الصعيد العالمي، فكان لانخفاض سعر اليوان، ودوره في زيادة الصادرات السلعية الصينية، دور سلبي على العديد من الصناعات في دول العالم، وذلك بسبب رخص أسعار السلع الصينية، الأمر الذي أضعف المنافسة لدى اقتصاديات تلك الدول، على الصعيدين المحلي والدولي، إذ تحولت نتيجة لذلك اقتصاديات العديد من الدول إلى أسواق لاستقبال المنتجات الصينية، وهذا ما كرس مزيد من حالات البطالة، والتبعية للخارج.
وبناء على أرقام قاعدة بيانات البنك الدولي، ظل سعر الفائدة على الودائع ثابتا عند نسبة 1.5% خلال فترة 2024/2015، كما ظل سعر الفائدة على الإقراض ثابتا أيضا خلال تلك الفترة عند 4.30%.
أما عالميا، فلم تتأثر السياسة النقدية للصين بالأداء العالمي، وخاصة بعد رفع سعر الفائدة في أميركا، دول العالم، والأسواق العالمية، ما يشكل دعما مباشرا يقدم للمنتجين الصينيين، عبر الحصول على الائتمان الرخيص.
أرقام التضخم المستمدة من البنك الدولي عن الصين، تبين أن معدل التضخم يكاد يكون غير مؤثر داخليا، ففي عام 2015، بلغ معدل التضخم 1.4% في المتوسط، وارتفع عام 2019 إلى 2.9%، إلا أنه في عامي 2023 و2024 كان بحدود نسبة 0.20%، إذ تعتبر هذه المعدلات مناسبة لمعدل التضخم في الصين، نتيجة لكون الأخيرة صاحبة إقتصاد إنتاجي.
في السياق نفسه، تشير الأرقام أن الصين كانت ثاني أكبر متلقي للاستثمارات الأجنبية المباشرة حتى عام 2021، إذ بلغت تدفقات الاستثمار الأجنبي إليها في ذلك العام 344 مليار دولار، ولكن تراجعت هذه التدفقات بشكل كبير بعدها، ووصلت عام 2024 إلى 18.5 مليار دولار فقط.
ويعود هذا التراجع إلى الصراع مع أميركا، إضافة لخروج بعض الاستثمارات الأميركية منها، أو الخوف من تعرض الصين لعقوبات اقتصادية.
لكن لا بد من الإشارة إلى أن الأرقام الخاصة بمعدلات التضخم في الصين، تأتي في إطار ما يعرف بالتضخم المكبوت، وهو التضخم الناتج عن تدخل الدولة بدعم بعض الخدمات مثل التعليم والرعاية الصحية.
ومن هنا فالتضخم في الصين، سيكون له معدلات أعلى مما هي عليه في حال رفعت الدولة يدها عن هذا الدعم، في القطاعات المختلفة، إذ التقارير السنوية لصندوق النقد الدولي، إلى معانات الاقتصاد العالمي، من عدة سلبيات منها حرب العملات، وكذلك التنافس الشديد في خفض معدلات سعر الفائدة، بغية جذب الاستثمارات.
وإبان الصراع الصيني الأميركي، اتجهت الأخيرة منذ سنوات، إلى التخلص من رصيدها الكبير من سندات الخزانة الأميركية.
ففي عام 2015 كانت الصين، قد تجاوزت اليابان وأصبحت صاحبة أكبر حصة من سندات الخزانة الأميركية بقيمة 1.1 تريليون دولار، لكنها في السنوات الأخيرة، أصبح رصيدها 761 مليار دولار تقريبا.
وقد حقق التصرف الصيني، أمرين.
الأمر الأول، كان التخلص من عبء الاحتفاظ بالدولار الأميركي، والوقوع تحت ضغط السياسة النقدية الأميركية، فيما يتعلق بقيمة الدولار أو سعر الفائدة، أما الثاني، هو محاولة التأثير على كون الدولار عملة دولية، إضافة للعمل على إهدار قيمته في السوق الدولية.
كما أن الصين قد وجدت نفسها أمام مجموعة من المشكلات الاقتصادية الداخلية، التي تتطلب تمويلا وسيولة بحيث لا تؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم، فاتجهت لتمويل مشروعات داخلية من خلال بيع جزء كبير من رصيدها من سندات الخزانة الأميركية، إضافة لتوجيهها جزءا من هذه الأموال للإستثمار في مناطق أخرى بالعالم.