Contact Us
اقتصاد

الاقتصاد الأميركي على مفترق طرق: أرقام مقلقة تنذر بمخاطر متنامية

الاقتصاد الأميركي يغرق في الديون

يقف الاقتصاد الأميركي اليوم أمام مفترق طرق بالغ الحساسية، تتقاطع فيه أزمات الديون والتضخم مع تباطؤ سوق العمل وتنامي المخاطر المصرفية. وبينما يصف بعض الاقتصاديين المشهد بأنه "مرحلة تصحيح طبيعية بعد دورة نمو طويلة"، يرى آخرون أننا أمام ملامح أزمة عميقة قد تمتد آثارها إلى الاقتصاد العالمي برمته.

بالأرقام، خلال سبتمبر/أيلول 2025، سجّل الدين الوطني الأميركي مستوى قياسياً بلغ 37.43 تريليون دولار، بزيادة تفوق 2 تريليون دولار خلال عام واحد، وفق بيانات وزارة الخزانة. الدين المملوك للعامة وحده وصل إلى 30.12 تريليون دولار، فيما بلغت الديون البينية بين المؤسسات الحكومية 7.31 تريليون دولار. وترافق ذلك مع ارتفاع معدل الفائدة على السندات القابلة للتداول إلى 3.415%، ما يضاعف تكلفة خدمة الدين ويقيد هامش المناورة أمام الحكومة. الأخطر أن نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي ارتفعت إلى 124.3% عام 2024، مع عجز شهري سجّل 345 مليار دولار في أغسطس الماضي، وهو رقم يعكس نزيفاً مالياً يصعب كبحه.

في الوقت ذاته، لم يتمكن التضخم من التراجع إلى المستوى المستهدف من قبل الاحتياطي الفيدرالي (2%). فقد أظهر مؤشر أسعار المستهلك (CPI) ارتفاعاً بنسبة 2.9% على أساس سنوي في أغسطس، وبنسبة 0.4% على أساس شهري، بعد زيادة 0.2% في يوليو. هذا المستوى، وإن بدا أقل من الذروة التي بلغها التضخم عام 2022، إلا أنه يظل كافياً لاستنزاف القدرة الشرائية، ويمنع الفيدرالي من خفض الفائدة سريعاً دون المخاطرة بعودة الأسعار إلى الارتفاع.

سوق العمل، الذي طالما شكل مصدر قوة للاقتصاد الأميركي، بدأ بدوره يظهر علامات ضعف واضحة. فقد أضاف الاقتصاد 22 ألف وظيفة فقط في أغسطس، وهو رقم متواضع مقارنة بالسنوات السابقة، فيما ارتفع معدل البطالة إلى 4.3%، وهو أعلى مستوى له منذ أكثر من ثلاث سنوات. وإذا استمر هذا التباطؤ، فإنه سيقوض استهلاك الأسر، الذي يشكل الركيزة الأولى للنمو الأميركي.

أما القطاع المصرفي، فلا يزال يعاني من هشاشة تحت السطح، خصوصاً البنوك الإقليمية التي تكافح لموازنة محافظها وسط ارتفاع تكاليف التمويل. مؤسسات مالية كبرى بدأت تصنّف بعض الأصول الأميركية في خانة "عالية المخاطر"، ما يعني أن تكلفة الاقتراض سترتفع للشركات الصغيرة والمتوسطة، وهي المحرك الأساسي لخلق الوظائف.

المخاطر لا تقتصر على الداخل. فوفق تقارير "موديز" و"ستاندرد آند بورز"، تواجه الشركات الأميركية الكبرى ضغوطاً متزايدة بفعل ارتفاع تكلفة الاقتراض وتراجع هوامش الربح. أي موجة إفلاسات محتملة في قطاعات التكنولوجيا أو العقارات التجارية قد تتحول إلى أزمة نظامية تهزّ الأسواق العالمية، كما حدث في أزمة 2008. يضاف إلى ذلك التوترات الجيوسياسية وتقلبات أسعار الطاقة، التي تهدد بدفع التضخم إلى مستويات جديدة في حال اتساع النزاعات أو تعطلت سلاسل التوريد.

ومع هذا المشهد المعقد، ينقسم صناع القرار في واشنطن. فريق في الاحتياطي الفيدرالي يرى ضرورة خفض الفائدة سريعاً لإنقاذ سوق العمل، فيما يحذر آخرون من أن أي تراخٍ سيعيد الاقتصاد إلى دوامة تضخمية يصعب الخروج منها.

بالإجمال، الولايات المتحدة أمام معادلة صعبة: دين عام يتجاوز 37 تريليون دولار، تضخم لا يزال عند 2.9%، بطالة ترتفع إلى 4.3%، ونظام مصرفي يترنح تحت الضغوط. إذا لم تُعتمد سياسات مالية ونقدية متوازنة، فقد يجد الاقتصاد الأميركي نفسه أمام أزمة ممتدة لا تضربه وحده، بل تفتح الباب أمام ركود عالمي جديد.

شارك المقال