Contact Us
اقتصاد

العودة إلى المدرسة... كابوس لبناني يُرهق الأهالي

مأساة اللبنانية مع العودة إلى المدرسة

مع بداية العام الدراسي في أيلول/ سبتمبر الحالي، يعيش الأهالي في لبنان فصلاً جديدًا من معاناتهم اليومية، حيث تتقاطع الأزمة الاقتصادية مع متطلبات التعليم، لتجعل من "العودة إلى المدارس" معركة معيشية بكل ما للكلمة من معنى. ففي الأحياء الشعبية في العاصمة بيروت، كما في قرى الأطراف المحرومة، لا يختلف المشهد كثيرًا: وجوه مرهقة، جيوب فارغة، ودفاتر مدرسية تحوّلت إلى ترفٍ لا يُطال. تقول زينب، وهي مطلقة وأم لستة أولاد نقلتهم من مدرسة خاصة لتوزعهم على مدرستين رسميتين: "سافر طليقي بحثًا عن الرزق وحياة أفضل، وما نجنيه لا يكفّي حتى للكتب والقرطاسية والنقل".

وفي أرقام ترسم المأساة، يتبيّن أن:

  • 70% من العائلات اللبنانية باتت عاجزة عن تغطية تكاليف التعليم المدرسي بشكل كامل، بحسب تقارير اليونيسف الأخيرة.

  • الأقساط في المدارس الخاصة ارتفعت بمعدل يتراوح بين 25% و40% هذا العام وحده، مع إصرار المؤسسات على قبض جزء كبير بالدولار الطازج.

  • سعر "القرطاسية" الأساسي (دفاتر، أقلام، حقيبة) قفز من 20 دولارًا قبل الأزمة إلى ما يزيد عن 150 دولارًا اليوم، أي ما يعادل نصف راتب موظف بالحد الأدنى.

  • كلفة النقل المدرسي وحدها تراوح بين 25 و65 دولارًا شهريًا للطالب الواحد في بيروت وضواحيها، وتصبح أغلى أحيانًا في القرى حيث المسافات أبعد.

مدارس رسمية مكتظة... وأمل ضائع

إلا أن الهروب إلى المدارس الرسمية لم يعد حلًا فعّالًا بالنسبة للطلاب وأهاليهم. فقد استقبلت أكثر من 400 ألف تلميذ لبناني إلى جانب مئات آلاف الطلاب السوريين، ما أدى إلى اكتظاظ الصفوف، حيث يصل عدد التلاميذ في بعض الغرف إلى 50 طالبًا. وتفتقر المؤسسات الرسمية إلى التمويل الكافي للصيانة أو لتوفير الكهرباء والوسائل التربوية الأساسية.

وتضيف زينب: "نقلنا ولادنا من المدارس الخاصة إلى الرسمية، حيث الصفوف غارقة بأعداد كبيرة من الطلاب، مع غياب وسائل التكييف والتدفئة، فيما رواتب المعلمين لا تزال موضع أخذ ورد وإضرابات".

والأخطر أن الأزمة لا تهدد الحاضر فقط، بل المستقبل أيضًا. فقد حذّرت منظمات دولية من أن ثلث أطفال لبنان مهدّدون بالتسرب المدرسي بسبب الأعباء المالية. وهذا يعني جيلًا بأكمله مهدّد بالحرمان من حقه في التعليم، مع كل ما يحمله ذلك من انعكاسات اجتماعية واقتصادية في المدى البعيد.

وسط هذه الأرقام القاسية، يظل المشهد الإنساني الأكثر إيلامًا: طفل يحمل حقيبة قديمة ممزقة، وأم تفاوض صاحب المكتبة على تقسيط ثمن الدفاتر، وأب يعمل في وظيفتين ليؤمّن جزءًا من القسط. إنها قصص صغيرة تختصر مأساة كبيرة، وتحوّل "العودة إلى المدارس" من مناسبة للفرح إلى اختبار قاسٍ للكرامة والصمود.

شارك المقال